"ألف ولد مجنون ولا بنت خاتون".. أسباب تفضيل إنجاب الذكور على الإناث في الأردن

{title}
أخبار الأردن -

 

 

ارتفاع مستويات الخصوبة السكانية في الأردن ورائها الرغبة بإنجاب الأطفال الذكور:

إن حصول المرأة على طفل ذكر يمثل حدثاً بالغ الأهمية، سواء بسبب ارتباط وجوده بارتفاع مكانة المرأة الاجتماعية - خصوصاً في المناطق الريفية النائية- أو للأهمية المقترنة بإنجابه، إذ يعني ذلك لكثير من الإناث في مثل تلك المناطق الريفية التقليدية إثباتاً لإنجازهن الإنجابي؛ فوجود الطفل الذكر في الأسرة يعني استمرار اسم العائلة وامتدادها، كما يشكل إنجاب الطفل لدى مثل هؤلاء الزوجات مصدر أمن وضمان للأبوين في حالة عجزهم وشيخوختهم، كما إن الأطفال الذكور - خاصة في المناطق الريفية والنائية- يمثلون قيمة مضافة إلى مصادر الدخل وقوة العمل في الأسرة، ويؤكد الموروث الاجتماعي والأقوال والأمثال الشعبية صدق هذا التوجه، ومن هذه الأقوال (الأمثال):

- "ألف ولد مجنون ولا بنت خاتون"

- "البنت ولو كانت فاس ما بتشق راس"

- "هم البنات للممات"

- "البنات مقاليع ابليس"

- "لما قالولي ولد اشتد حيلي واتسند ولما قالولي بنية انهدت الحيطة عليّه"

كما تؤكد الأمثال الشعبية الأخرى مظاهر التمييز بين الذكور والإناث في مختلف مجتمعاتنا العربية الشرقية بشكل خاص، فعند ولادة البنت يقال:

• "جيبو بنات ولا تقعدوا بطالات"

• "اللي بجيب البنت بجيب الولد"

• "عقبال الصبي"

وكأنه يعزي لولادة البنت، وإذا ماتت المولودة البنت يقال:

- "موت البنات أو سترتهن"،

- "ماتت وليتك من صفا نيتك"

وللدلالة على الهم والحزن من وجود البنات في الأسرة يقال:

- "هم البنات للممات ولو عرايس ومجوزات"

- "دلل ابنك بيجيك ودلل بنتك بتخزيك"

بينما يقال عند ولادة الذكر:

- "ما أحلى نزلتهم، ولو ماتوا بساعتهم"،

- "الولد فرحة ولو إنّه قد القمحة".

وهذا كله لا ينفي وجود رغبة لدى بعض أفراد هذه المجتمعات في إنجاب الأطفال الإناث، كأن يقال "بنت مليحة ولا ولد فضيحة". كما ينظر إلى الإناث بأنهن أقل فائدة في خدمة الأبوين خاصة عند الكبر، لذلك لا غرابة إذا استقبلت ولادة البنت من قبل الزوجين والعائلة بفتور وخيبة أمل، خاصة إذا لم يسبق إنجاب الذكور في الأسرة (العمد، هاني 1990).  

وغالباً ما تكون المرأة التي لم تنجب أطفالاً ذكوراً، مدعاة لشفقة مجتمعها ويطلق عليها مثلاً (دلالة على التعاطف): "أم الولايا"، كما يطلق على الرجل الذي لم يرزق إلا بنات "بأبو الولايا" دليلاً على تعاطف مجتمعه معه. وفيما يلي مزيدٌ من الإيضاح لمثل هذه الظواهر الديموغرافية وانعكاساتها على سلوك الأفراد الإنجابي، حيث تأخذ ظاهرة تفضيل إنجاب الأطفال الذكور عدة أشكال لعل أهمها:

• التمييز في استقبال المولود بين الجنسين.

• التمييز في مستويات التغذية.

• التمييز في معدلات الرضاعة الطبيعية.

• التمييز في الرعاية الصحية لكلا الجنسين.

• التمييز في فرص الحياة، من حقوق في التعليم والسفر والعمل وغيره.

وتختلف أسباب ومبررات تفضيل الذكور من حقبة زمنية لأخرى ومن مجتمع لآخر، كما تختلف درجة وقوة هذا التفضيل من ثقافة لأخرى، إلا أنه يمكن إجمال أسباب التفضيل والتمييز في النواحي التالية:

أ‌- أسباب بيولوجية: مثل اختلاف التركيب الجسمي والقوة العضلية، والاختلاف الوظيفي والبيولوجي، تبعاً للنوع الاجتماعي، مثل تميز المرأة بالحمل والإنجاب، واختلاف الوظائف الجنسية حسب النوع الاجتماعي، وعلاقة كل من الذكر والأنثى بمسألة الحمل والإنجاب، والذي يترتب عليه تباين واختلاف كثير من الأدوار والوظائف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لكلا الجنسين.  

ب‌- أسباب اجتماعية: والتي ترتهن بالنظرة إلى الذكور عادة بأنهم المحافظون على اسم العائلة واستمرارها وأنهم المدافعون عنها، والورثة الشرعيون لثروة وعزوة الأسرة والعشيرة، وأنهم مصدرٌ للفخر والتباهي داخل نطاق الأسرة، بينما ينظر للمرأة على أنها معيار للشرف. وقد تتعرض المرأة للطلاق والمهانة إذا لم تنجب الذكور وأنجبت إناثاً فقط، خاصة في المجتمعات الزراعية التقليدية.

ت‌- أسباب اقتصادية: حيث ينظر إلى الرجل بأنه رب الأسرة ومعيلها وصاحب الامتياز في مختلف الأعمال والنشاطات الاقتصادية، وأن الأبناء الذكور خير معين للأب في عمله وخير ضمان للأبوين في حالة العجز أو الشيخوخة، بينما تعتبر الإناث عبئاً اقتصادياً "فالبنات استثمار خاسر"، ولا تفضل الإناث إلا لمساعدة الأم في أعمال البيت ورعاية الأطفال، أو لتوفير عوائد اقتصادية في بعض الأعمال المنزلية المحددة. وهكذا، ينظر إلى الطفل الذكر بأنه عنصر الأمان والضمان الاقتصادي للآباء في المستقبل، وخاصة في مجتمعات الدول النامية التي لا تتوفر فيها وسائل الضمان والحماية المادية في حالة العجز أو الشيخوخة أو التعطل عن العمل. وفي ظل ارتفاع معدلات وفيات الأطفال، فإن رغبات الأزواج في إنجاب المزيد تكون قوية، كرد فعل للتعويض عن حدوث وفيات للأطفال في الأسرة، كما تستمر نوايا الأزواج في إنجاب المزيد من الأطفال للتعويض عن حدوث الوفيات السابقة أو المحتملة في الأسرة, من أجل الإبقاء على أكبر عدد من الذكور على قيد الحياة في الأسرة.

ث‌- أسباب نفسية وشخصية: يفتخر الأبوان عادة بأبنائهم الذكور أكثر من افتخارهم بالإناث، كما يفضلون أن يحقق الأبناء الذكور نجاحاً أكبر في التعليم والحياة بصورة عامة - مقارنة بالبنات، ويشعر الآباء والأمهات بقلة السند إذا لم ينجبوا الذكور، بينما لا يراودهم نفس الشعور في حالة إنجاب الإناث فقط. وتعتبر الإناث مصدراً للقلق النفسي؛ خوفاً من الأعباء الاقتصادية، أو من الوصمات الاجتماعية - كوصمة العار، مما يؤدي إلى الهم والحزن عند إنجاب الإناث، لذلك، فإنه لا غرابة في وجود أطفال غير مرغوب فيهم لمجرد كونهم من الإناث أحياناً. كما تختلف النظرة إلى كل الأطفال حسب نوعهم الاجتماعي تبعاً لمستويات الذكاء والجاذبية، وبالتالي فإن مساهمة الذكور في حصول الأبوين على الرضا والسعادة وإشباع غريزة الأمومة والأبوة، ومشاهدة ومتابعة الأبناء وهم يكبرون، أكثر من مساهمة الإناث. كما تزداد الضغوط النفسية التي تتعرض لها الأمهات اللاتي رزقهن الله بالأطفال الإناث (فقط)، خاصة من قِبل الأزواج والأهل، ويقترن بذلك زيادة احتمالات تعرضهن للطلاق، أو الزواج عليهن؛ أملاً بإنجاب الذكور. كما يقترن بإنجاب الأطفال الإناث كثير من المعتقدات التي تفترض أن المرأة هي المسئولة عن جنس المولود، الأمر الذي يخالف الحقائق العلمية، التي تفترض أن الرجل هو المسئول مع المرأة بيولوجياً عن تحديد جنس المولود. كما ينظر إلى الأنثى في المجتمعات العربية المحافظة على أن مصيرها ينتهي بالزواج وترك الأسرة إلى عائلة أخرى "ابنك إلك وبنتك لغيرك".

وتأخذ "تفضيلات" إنجاب الذكور صوراً كثيرة، منها:

• تفضيل إنجاب الطفل الأول ذكراً.

• إنجاب جميع الأطفال ذكوراً.

• إنجاب عدد من الذكور أكبر من عدد الإناث.

• الاستمرار في الإنجاب أملاً في إنجاب عدد كاف من الأطفال الذكور بصرف النظر عن عدد الإناث.

• وجود إناث غير مرغوب بهن، أو ارتفاع معدلات الوفيات للإناث نتيجة قلة الاهتمام أو سوء التغذية، أو عدم الحصول على نفس الرعاية الصحية اللازمة ونفس فترات الرضاعة الطبيعية التي يحصل عليها الذكور.

وقد زاد الاهتمام بموضوع تفضيل الأطفال حسب نوعهم الاجتماعي، كنتيجة لزيادة الاهتمام بمكانة المرأة ودورها في المجتمع، أو بسبب الدعوات المستمرة إلى أخذ مكانتها الطبيعية وإزالة مظاهر التمييز المختلفة ضدها (توماس، بورش 1989).

وعطفاً على ما سبق، وعلى الرغم من التغيرات الإيجابية في أدوارها، فغالباً ما تقترن هذه المكانة بانجازها الإنجابي - وخاصة إنجاب الذكور، فترتفع مكانة المرأة التي تنجب الذكور أمام زوجها وأمام المجتمع الذي تعيش في كنفه، بينما تتعرض المرأة التي تنجب الأطفال الإناث لضغوط اجتماعية ونفسية مختلفة من قبل الزوج أو العائلة والمحيط، بل قد تتعرض إلى الطلاق أو الزواج عليها لكونها أنجبت الإناث فقط. وتعدّ النساء الريفيات - من صغيرات السن وغير المتعلمات- الأكثر تعرضاً لمثل هذه المواقف والممارسات، (لولو المسند 1998).

كما بيّنت الدراسات أن قوة هذه الظاهرة تتناسب عكسياً مع ارتفاع مستوى تعليم المرأة، وارتفاع نسبة تحضرها، حيث ترتفع نسبة الراغبات في وقف الإنجاب لدى النساء القاطنات في المدن أكثر منه لدى النساء القاطنات في القرى (منير كرادشة، 2007). كما أشارت الدراسات إلى أن عدد الأطفال الذكور الباقين على قيد الحياة، يعدّ من أهم العوامل المؤثرة على اتجاهات النساء نحو وقف الإنجاب (العوض، جلال الدين 1984).

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير