الكلالدة يكتب: مناقصة دولية لعمّان ذكية

{title}
أخبار الأردن -

  كتب مستشار العمارة والتصميم الحضري الدكتور مراد الكلالدة:

يبدو ان شهية الأمانة قد فتحت للدخول في التصنيفات الدولية فاشتركت طوعياً بالعام 2023 بتصنيف Smart City Index (SCI) وتحصلت على المرتبة 135 من أصل 141 مدينة مشاركة بالتصنيف، وتقدمت سبع مراكز بالعام التالي 2024 الى المرتبة 128 من أصل 142 مدينة (المركز واحد هو الأعلى). وعلى الرغم من أن المراتب التي تحصلت عليها عمّان متأخرة، إلا اننا نرى في هذا السعي خطوة بالإتجاه الصحيح لإكتشاف الثغرات وتجويد العمل للوصول الى مدينة ذات جودة حياة مقبولة أو حتى جيدة. إلا أن الغريب أن هذا التصنيف قد جاء بعد سنوات من إطلاق خارطة طريق عمّان مدينة ذكية بالعام 2019، حيث بدأ الفريق الإستشاري المكون من شركة CDM SMITH  الأمريكية وشريك أردني محلي بالعمل على مشروع "مواجهة التحديات الحضرية في عمّان من خلال خطة المدينة الذكية" الذي قسم الى ثلاث مراحل، قصيرة المدى 0-3 سنوات، ومتوسطة المدى 3-5 سنوات، وطويلة المدى 5-10 سنوات. وإذا ما عكسنا المدد على المراحل، فمن المفروض أن نكون الآن قد دخلنا المرحلة الأخيرة طويلة المدى.

وبالرجوع الى مؤشر أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة، نلاحظ تراجع ترتيب الأردن بالعام 2024 إلى المرتبة 85 من أصل 167 دولة بينما كانت بالمرتبة 77 من أصل 166 دولة بالعام 2023، المرتبة (1) هي الأكثر تحقيقاً للأهداف. وبالتدقيق بالجداول والأشكال التابعة للتصنيف، نلاحظ بأن التراجع واضح في بيانات الهدف (11) مدن ومجتمعات مستدامة. وبما أن عمّان هي المدينة الأكبر بالأردن، والتي قارب عدد سكانها من الإستحواذ على نصف سكان المملكة، فإن مشروع خارطة طريق عمّان مدينة ذكية، لم يأتي أكله، ولم يدفع بعمّان من ذيل قائمة المدن الذكية الى منتصفها على أقل تقدير.

وبالرجوع الى صفحة المركز الإعلامي على موقع أمانة عمان الكبرى- باب الإعلانات، نلاحظ وجود دعوة عطاء تحمل الرقم 37/1/2024 DBOT (تصميم وبناء وتشغيل ونقل ملكية) لما سمي بالرزمة الأولى First Wave- Mobility من مشروع عمّان مدينة ذكية، وكفالة دخول العطاء قدرها مليون دينار أردني، بما يؤشر بأن تسعير العطاء سيدور حول 25 مليون دينار. السؤال المشروع هنا، ما موقع هذا العطاء من العطاء السابق المعلن عنه على موقع الشركة الأمريكية، فهل أنتهى أم توقف وما هي الأسباب إن جاز لنا كعمانيين أن نسائل، وعلينا أن نسأل!

العطاء الجديد مقسم إلى أربع مشاريع رئيسية، تتكون المرحلة الأولى منه من أربعة مشاريع فرعية تدور حول التنقل الذكي وإنترنت الأشياء IoT، وما يهمني هنا هو مشروع إعادة التصميم لبنى تحتية حيوية، بما يتماشى مع ما سمي "تجربة الجيل القادم من التجربة الحضرية" next-generation urban experience وبصراحة لم أفهم المقصود، حتى ابسّطه. كلام كبير شبيه بالكلام الوارد بعطاء 2023 تحت مسمى Smart Urban Solutions (SUS)  الذي لا ندري إلى أين أفضى مآله.

المرحلة الأولى تركز هذه المرة على ستة مناطق، هي المدينة، اليرموك، بسمان، بدر، زهران، العبدلي. ويلاحظ بأن منطقتي العبدلي وزهران كانتا محور دراسة SUS فلماذا يتم دراستها مرة أخرى. الجواب المنطقي للمراقب، بأن المشروع الأول لم يستكمل، والدليل هو ان مناطق زهران والعبدلي جزء من المرحلة الأولى للعطاء الجديد. وسؤال أظنه مشروع من قبل دافع ضرائب عمّاني، من اين حصلت الشركة الأمريكية وشريكها المحلي على دفعاتهم المالية، وهل قامت جهة ما مثل ديوان المحاسبة بالتدقيق على الفواتير المقدمة، أم تم فسخ العقد لعدم إكتمال التنفيذ، وما مصير السنوات الضائعة منذ العام 2019 حتى الآن والفرص المهدورة Opportunity Cost جراء هذا التعطيل، وهل انعكس ذلك على زيادة مديونية الأمانة إلى 500 مليون دينار حسب تصريح لأمين عمّان أسبق بندوة عامة.

ونحن على أبواب إنتخابات برلمانية للمجلس 20، كنت آمل كأردني ان تُناقش هذه الأمور من قبل نواب المجلس التاسع عشر حتى يتم تحفيزي للمشاركة بالإنتخابات القادمة، على أساس أن من ننتخبهم سيناقشون مثل هذه الأمور من باب الرقابة المكلفين بها.

إن المراجع لدعوة العطاء الجديد يلاحظ الإستعجال للوصول الى نظام مراقبة وتحكم مروري وقتي، ونظام إصطفاف Parking ذكي، ونظام مخالفات مرورية ذكي أيضاً، كل هذا الذكاء، دون التعمق بالدراسة الحضرية لمناطق الدراسة الستة، وعليه نطرح الأسئلة التالية:

ألا تحتاج المدينة الذكية إلى وعاء حضري منظم، مخدوم بشبكة طرق رئيسية وفرعية، ومقسمة الى مجاورات Neighborhoods سكنية بمراكز خدمية وتجارية وحدائق خاصة.

إن البدء بالمشروع بدون إيقاف العمل بمشروع عمّان مدينة كبرى "ميتروبوليتان" المصادق عليه بمخطط عمّان الشمولي 2007 سيجعل من تنفيذ التحول الى مدينة ذكية أمر بغاية الصعوبة. فماذا لو وجَدت الدراسة الحضرية بأن الميتروبوليتان لن تفضي للوصول الى مدينة ذكية، فهل سيتم التراجع عن مخطط عمّان الشمولي 2007 جاري التطبيق بأجزاءه: التكثيف العمراني والبناء المدمج الإستعمالات Mixed-use على عشرة طرق شريانية رئيسية بعمّان، والمواقع الثلاثة المخصصة للأبراج ونفذ أحدها بالعبدلي.

لماذا تم إختيار مناطق العبدلي وزهران كمنطقة دراسة بالعطاء الأول تتوسع مستقبلاً لمناطق أخرى لطالما أن هذه المناطق تخلو من نظام نقل عام وليس فيها مسارات للباص السريع الذي تم تسويقه كعصب اساسي للنقل العام يتفرع منه خطوط التغذية للأحياء، وهو ليس كذلك. وهل تحتوي مناطق الدراسة الستة الجديدة على نظام نقل عام متكامل.

هل يستند المشروع على ما تم إنجازه من رقمنة المخططات على نظام GIS المنجز بالأمانة وموجود لدى بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهل سيتم إستكمال الطبقات layers الناقصة وربطه مع المؤسسات الخدمية كالتزويد بالمياه والصرف الصحي والكهرباء والإتصالات.

ما هي مؤشرات الأداء المطلوبة فهل هي مؤشرات الأداء النمطية KPIs أم مؤشرات الأداء Holistic الشمولية H-KPIs والتي تحدد مؤشرات مختلفة وفقاً للمنطقة، فمثلاً هل أولوية منطقة العبدلي كمنطقة أعمال مركزية CBD للحدائق أم حاجتها أكثر لمواقف ذكية للسيارات، وهل تم إضافة مؤشر أداء PKI يوضح نسبة مستخدمي النقل العام ببداية المشروع ونهايته، ومقارنتها مع النسبة المستهدفة.

كيف سيتم السيطرة على سيارات التطبيقات الذكية التي تجول بالمدينة بدون حسيب ولا رقيب، وهل سيتم جدولة عملها، وهل سيظل الإعتماد على شرطة السير لإدارة المرور يدوياً على التقاطعات المرورية، وكم كلفة ذلك على جهاز الأمن العام، وماذا لو تفرغوا لمهام الأمن والحماية بدلاً من استنزاف قواهم بتنظيم المرور الذي هو من واجب الأمانة بموجب قانونها. ولماذا يتحمل رجال السير وزر الإزدحامات المرورية ويوضعون بمواجهة المواطن، مستهلكين رصيدهم فأصبحوا سبباً للأزمات بوجهة نظرهم، لا مخففاً لها.

هل تطرقت الشروط المرجعية للعطاء الجديد على تحسينات حضرية للأرصفة بإزالة العوائق مثل الأشجار والأسوار وفروقات المنسوب. وماذا لو بقيت الأرصفة على حالها، هل سيتم تشغيل المشروع.

كيف ستتم تهيئة البنية الحضرية للدراجات الهوائية، وما أثر ذلك على النسيج الحضري للمدينة.

هل تم الطلب من المناقص التطرق لإزالة المحلات التجارية من على الطرق الشريانية غير المزودة بطرق خدمة، وما الأثر المالي والإجتماعي المتوقع من هذا الطلب.

هل سيشمل المشروع إعادة تصميم الأحياء السكنية لخلق مراكز تجارية لامركزية لتخفيف الضغط عن الطرق الشريانية.

هل سيشمل المشروع إعادة تصميم بعض المناطق الخطرة للوصول الى مكان محمي Defensible Space الذي يعتبر أحد أهم أركان التصميم الحضري الذكي المفضي الى رفع جودة الحياة بالمدينة.

هل سيشمل المشروع خطط مستقبلية للإنتقال بالنقل العام من الباصات الى القطار الخفيف أو المترو، أم أن أعلى طموحنا هو الباص.  

هل سيشمل المشروع وضع خطط لوجستية لمنع تزويد المتاجر المحلية في أوقات الذروة والتحكم بأوقات تنقلها.

هل تمت الإشارة إلى ضرورة محاكاة أثر نقل معارض السيارات من على الشوارع الرئيسية الى مدينة السيارات بالماضونة على الحركة المرورية بالمناطق.

هل سيشمل المشروع على إستكمال الطرق الدائرية بعمّان وخاصة الطريق الدائري الغربي لتخفيف الضغط على شارع الملك عبد الله الثاني "شارع المدينة الطبية من صويلح الى الدوار الثامن". وماذا لو نفذت الأمانة إقتطاع ثلث عرض هذا الشارع لتعمم تجربة الباص السريع المختلف عليه، على هذا المحور، فهل سيستمر العجل بالدوران.

ماذا لو تم تعزيز دور اللامركزية والقاضي بوقف استقطاب عمّان من خلال دعم إنشاء مدن تابعة لمراكز المحافظات، فما مصير البيانات المؤشرة لإرتفاع عدد سكان عمّان الى خمسة ملايين نسمة في العام 2025.  

هل سيشمل المشروع على خطة للإستغناء عن الحفر الإمتصاصية وتمكين المواطنين من الربط على شبكة الصرف الصحي القائمة بأسعار تشجيعية. ألا تعتبر شبكة الصرف الصحي إجراء ذكي للتخلص من الفضلات البشرية وتتقدم على موضوع الإصطفاف الذكي.

هل سيشمل المشروع مناطق عمّان الشرقية مثل مناطق النصر والقويسمة وماركا ورأس العين...الخ والتي تشكل نصف مساحة العاصمة تقريباً، وهل من الممكن تطبيق معايير المدينة الذكية على تلك المناطق بدون إطلاق مشروع وطني للتجديد الحضري.

هل تمت الإشارة إلى وجوب إعادة النظر بالتشريعات الخاصة بالتصميم الحضري وإعداد كودة التخطيط والتصميم الحضري التي تعالج الإختلالات القائمة بالنسيج الحضري للمدينة وتضبط التوسع المستقبلي. الا تعتبر التشريعات إجراء ذكي للحيلولة دون الإنفلات العمراني الغبي.

هل تمت الإشارة الى وجوب ضبط التحرك المنفلت لموزعي الغاز منع تجار الخضار والروبابيكيا ومنعهم من التجول بين الأحياء السكنية. أولم تفكر الأمانة بإجراء ذكي لتخفيض أصوات مكبرات الصوت التي تزيد شدتها عن 80 ديسبيل، والاستعاضة عنها بالرسائل النصية لمن يرغب أو ومضات ليزر جميلة من أعلى الأبراج. ألا تعتبر أولوية الراحة والسكنية للمواطنين إجراء ذكي يتقدم على مصالح تجار الخردة الطوافين بالشوارع.

هل هناك خطط لربط المشروع مع المرصد الحضري لتوفير بيانات مكانية وقتية محدثة Dynamic للباحثين.

هل تم العمل على التقليل من الإشارات المرورية بالمدينة لضمان إنسيابية المرور، وهل تنبه أحدهم إلى أن هناك (11) إشارة مرورية على تقاطع طارق، التي يتوسطها محطة لا لزوم وظيفي لها في ظل البيع الإليكتروني للتذاكر، ولا تتيح توقف المركبات بالنفق للوصول اليها، ولا تعمل كمحطة تبديل لوسيطة النقل من باص الى تكسي أو قطار خفيف. ألم يفكر ذكي بإستغلال سطحها المهول لتركيب خلايا شمسية لتكييفها بدلاً من ان تظل مفتوحه للهواء الطلق.

هل تم تضمين مشروع القطار الخفيف بين الزرقاء ومطار الملكة علياء الدولي ضمن مشروع عمّان الذكية، وهل تم النظر بربطه بسكة الحديد الوطنية.

هل فكر أحدهم بعواقب التكتل الحضري Agglomeration لكل من الزرقاء والرصيفة وعمّان وصويلح وعين الباشا والكمالية والفحيص وماحص والسلط، وبما يضم 75% من سكان المملكة، وبحالة غريبة جداً أقل ما يمكن ان توصف فيها أنها "غير ذكية" تهمش النشاطات الإقتصادية المرتبطة بالمكان مثل الزراعة والتعدين والسياحة والصناعة التحويلية والمراكز اللوجستية بالعقبة والمراكز الحدودية.

رابط تقرير تصنيف المدن الذكية لسنة 2024 انقر هنا

 

تابعوا أخبار الأردن على
تصميم و تطوير