لماذا تتضاءل احتمالات الصفقة بين إسرائيل وحماس؟
أخبار الأردن -
ما بين تسريبات حول قرب التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحماس، تفضي إلى تبادل إطلاق سراح رهائن مقابل سجناء فلسطينيين، تتواصل عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، وإن أصبحت بصورة أقلّ عنفاً ممّا كانت عليه سابقاً، كما تتواصل وتتعمق مأساة أهالي غزة المحاصرين بثلاثية "القصف، والتجويع، والأمراض"، التي تشترك إسرائيل وحماس في المسؤولية عنها، بعيداً عن مقاربات مساواة
الجلاد بالضحية. والصفقة المنتظرة من غير الواضح إمكانية توقيعها وتنفيذها في ظل فجوات بين الاشتراطات التي تضعها إسرائيل من جهة واشتراطات حركة حماس من جهة أخرى، بما فيها تلك التي تتعلق بما يُعرف باليوم التالي لما بعد الحرب، وفيما يلي قراءة مكثفة حول التطورات على الحرب ببعديها العسكري والسياسي:
أوّلاً: شكلت محاولة تصفية محمد ضيف، ومعه رافع سلامة "قائد لواء خان يونس في القسام"، محطة تؤشر إلى انتقال الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة الثالثة من الحرب، تنفيذاً لتوافقات تم إنجازها بين الإدارة الأمريكية وقيادات الجيش الإسرائيلي، وهي المرحلة التي يفترض
أن تنفذ فيها إسرائيل عمليات نوعية، تستهدف قيادات حماس ومراكز القيادة والتحكم ومخازن الأسلحة، على غرار تكتيكات الحرب الأمريكية ضد (القاعدة وداعش)، ووفقاً لتصريحات صادرة عن نتنياهو ووزراء اليمين، فهناك رفض للمرحلة الثالثة، حتى إنّ نتنياهو أكد أنّ قادة الجيش مارسوا ضغوطات عليه للقبول
بالانتقال إلى هذه المرحلة، وهو ما يشي بأنّ نتنياهو يوجه رسالة تبرير لتحالفه في اليمين بأسباب قبوله بهذه المرحلة.
ثانياً: عمليّاً فإنّ المرحلة الثالثة تعني أننا سنكون أمام حرب مفتوحة غير محددة بسقف زمني، ستوفرلإسرائيل إمكانية الدخول برّاً إلى أيّ منطقة في القطاع وضرب أيّ أهداف بحجة
"توفر معلومات استخبارية دقيقة" بانتقال قادة من حماس إليها، أو أنّها كانت تحتوي على مخازن أسلحة وصواريخ، وهناك رهانات استخبارية إسرائيلية بأنّ قادة وكوادر القسام ليس بمقدورهم البقاء في الأنفاق لمدد طويلة، وستبرر أيّ عمليات قتل للمدنيين بأنّ قادة حماس لجؤوا إلى مخيمات النازحين،
واختبؤوا بين المدنيين، ومع ذلك فإنّ المرجح وفقاً للتاريخ أنّ إسرائيل قد تنجح في تصفية الكثير من قادة حماس خاصة العسكريين، لكنّ المقاومة قادرة على تعبئة الشواغر بقيادات بديلة من الصفين الثاني والثالث.
ثالثاً: مؤكد أنّ العملية التي استهدفت الضيف، "لم يثبت حتى تاريخه لا من حماس ولا من مصادر إسرائيلية تصفيته"،
ستنعكس على مفاوضات الصفقة، وربما تعزز الفجوات بين إسرائيل وحماس، فإسرائيل، ومن خلفها أمريكا، تريد مفاوضات هدفها إطلاق سراح المخطوفين، فيما تريد حماس مفاوضات حول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وهو ما لا توفره المرحلة الثالثة، ويبدو أنّ حماس التقطت الرسالة بالتنازل عن طلب
إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع شرطاً للمرحلة الأولى في صفقة التبادل، مع تعهدات شفوية من دول الوساطة لوقف الحرب فيما بعد، ومن الواضح أنّ إسرائيل تراهن على ما يتردد من تسريبات حول إمكانية تحقيق المزيد من التنازلات من حماس، والاستثمار في الضغوط التي تمارس عليها من الوسطاء، بما ذلك تحميلها مسؤولية الأوضاع المعيشية والإنسانية ومعاناة أهالي غزة.
رابعاً: من المرجح أن يبقى التوصل إلى صفقة قريباً موضوع شكوك، لا سيّما من قبل نتنياهو الذي يبني استراتيجياته على أساس المزيد من الضغط العسكري على حماس، وسياسات الحصار والتجويع لأهالي غزة، أملاً بإنتاج حالة معارضة لحماس وتحميلها مسؤولية معاناة السكان، وإنتاج قيادة جديدة
"عائلات وعشائر" تحكم قطاع غزة، لا تنتمي لا لحركة فتح ولا لحركة حماس، لكنّ الرهان الأهم بالنسبة إلى نتنياهو سيبقى انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، ورهاناته على احتمالات فوز حليفه (ترامب)، وهو رهان أصبحت التطورات الداخلية في أمريكا، بما فيها المحاولة الفاشلة لاغتيال ترامب، تعطي
نتنياهو مزيداً من الدفع باتجاه تمسكه بمواقفه المتشددة، وإطالة أمد الحرب، حتى ولو بالانتقال إلى خليط على مستوى تنفيذ الخطط العسكرية يجمع ما بين ما بين المرحلتين الثانية والثالثة.
خامساً: تطرح نتائج الحرب ـ حتى تاريخه ـ جملة من التساؤلات حول "طوفان الأقصى"، بما فيها أهدافه التي بدأت بتحرير الأقصى وإنهاء الاحتلال، وقد تحولت اليوم إلى مطالبات بإنهاء احتلال الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، ومطالبات بعودة النازحين، وزيادة أعداد الشاحنات التي تحمل مواد
الإغاثة، وقد قدّمت حماس تنازلات بخصوص الدولة الفلسطينية، بالتزامن مع قناعات بأنّها لن تعود إلى حكم القطاع منفردة، وأنّ تسليم سلاحها مطروح على الطاولة، ووفقاً لتسريبات مقرّبة من أوساط قيادية في حركة حماس، فإنّ الحقيقة المؤكدة هي أنّها تفاوض في الغرف السرّية على حصتها المستقبلية
في الحكم وأموال إعادة الإعمار، في ظل رهانات على ورقة الرهائن، والتي يبدو أنّها لا تعني لا نتنياهو ولا اليمين الإسرائيلي المتطرف، إضافة إلى رهانات على اشتباكات محدودة في مناطق العمليات بالقطاع، تحقق فيها وفقاً لاستراتيجية حرب العصابات بعض النجاحات بضرب آلية، أو قنص جندي،
تستفيد منها إسرائيل في تبرير عمليات القصف والاستهداف، بالتأكيد أنّ حماس ما زالت تمتلك قدرات، وهو ما يفسر التوسع في الاعترافات الإسرائيلية بمقتل جنود وضباط والسماح بالإعلان عن ذلك.
وفي الخلاصة؛ فإن الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس تبدو بين نتنياهو والسنوار في ظاهرها، لكنّها أعمق من ذلك بكثير، وربما تحقق انتصار السنوار في الساعات الأولى من السابع من تشرين الأول
(أكتوبر)، لكنّ انتصار نتنياهو ربما يحتاج لأعوام، ومؤكد أنّه كلما طالت الحرب، فإنّ خسارات حماس ستكون أكبر وأفدح، وهو ما يراهن عليه نتنياهو، وفي حال فوز حليفه ترامب، فمن المرجح أنّه ليس حركة
حماس فقط، بل القضية الفلسطينية كلها ستكون أمام خطر الإلغاء والتهميش.