لبسوا الحجاب والفساتين.. تفاصيل جديدة حول عملية النصيرات
نشر موقع "جويش كرونيكل" العبري يوم الجمعة مقالا كشف من خلاله القصة الكاملة لعملية إنقاذ الرهائن الأربعة في "عملية أرنون".
وذكر الموقع العبري أن العديد من التفاصيل تداخلت في "المهمة السيزيفية" من بينها المخططات والعمل الاستخباراتي وانتحال شخصية نساء غزة في سوق النصيرات، وعملية الاغتيال التي استمرت دقائق والمفاجأة التي أسفرت عن مقتل قائد القوة التي نفذت العملية.
وفي التفاصيل التي نشرها الموقع، يقول الكاتب إيلون بيري وهو صحفي وكوماندوز سابق في لواء "غولاني" التابع للجيش الإسرائيلي، "في 12 مايو تلقت إسرائيل معلومات استخباراتية حول مكان وجود أربعة رهائن في منطقة مخيم النصيرات للاجئين في قطاع غزة، ومنذ ذلك اليوم ركزت كل فروع المخابرات الإسرائيلية على المنطقة 24 ساعة يوميا 7 أيام في الأسبوع، لتحديد الموقع الدقيق".
ويضيف "تم إرسال فريق سري من "المستعربين" (وحدات تندمج في السكان المحليين لجمع المعلومات الاستخبارية) إلى هناك، خاصة في السوق المحلي في النصيرات.
وأفاد بأن دور "المستعربين" لم يكن يقتصر على جمع المعلومات الاستخبارية من السكان المحليين فحسب بل كان يشمل أيضا التحقق من المعلومات المستمدة من استجواب المسلحين المعتقلين، وبالإضافة إلى ذلك تم جمع المعلومات عن طريق المراقبة الجوية وغيرها من الوسائل التكنولوجية المتطورة.
ويتابع بالقول: "بعد 19 يوما من العمل المكثف لجمع المعلومات الاستخبارية، تمكنت الوحدات المشتركة من جمع معلومات موثوقة ودقيقة حول موقع الرهائن الإسرائيليين، حيث تم التوصل إلى معلومات تؤكد أن الرهائن كانوا محتجزين في مبنيين منفصلين في المنطقة نفسها حيث يوجد نوا أرغاماني في منزل وابلتنحديدي في الطابق الأول وثلاثة رهائن آخرين في مبنى آخر على بعد 800 متر في الطابق الثالث".
ووفق الموقع العبري، تم في بداية شهر يونيو تقديم هذه المعلومات إلى مجلس الوزراء الحربي وطلب من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الشاباك تقديم خطة إنقاذ.
وأكد أن المعلومات الاستخباراتية ظلت سرية للغاية حتى على القوات الإسرائيلية في غزة بما في ذلك كبار القادة.
ويردف بالقول: "من أجل التحقق أخيرا من المعلومات وتمهيد الطريق للعملية، تم إرسال فريق آخر من الجنود السريين بما في ذلك عدة نساء يرتدين الحجاب والفساتين السوداء الطويلة إلى مخيم النصيرات للاجئين، حيث تظاهرن بأنهن من غزة وتبحثن عن منزل كبير في النصيرات، مشسرا إلى أنهن وصلن في سيارتين قديمتين رخيصتي المظهر محملتين بالأدوات المنزلية المميزة لتلك العائلات النازحة في القطاع مثل الفراش والملابس المطابقة لملابس السكان المحليين.
ووفق المصدر ذاته، عندما سأل سكان مخيم النصيرات الجنود السريين من أين أتوا وماذا يتطلعون إلى القيام به في النصيرات، أجابوا بأنهم فروا من رفح بسبب قصف مميت من الجيش الإسرائيلي، وقرروا استئجار منزل في مخيم النصيرات ثم أشاروا إلى المبنى الذي كانت فيه إحدى الرهائن محتجزة.
كما أظهروا لأحد السكان المحليين مبلغا كبيرا من النقود وعرضوا عليه دفع ثلاثة أضعاف السعر السائد للإيجار، حيث وافق السكان المحليون على المساعدة وفي غضون ثلاث ساعات عثروا على منزل كبير في الشارع نفسه الذي احتجز فيه أرغاماني، وكان هذا على بعد 800 متر فقط من مكان احتجاز الرهائن الثلاثة الآخرين.
وبعد أيام قليلة وبعد الاستقرار في المنزل والتعرف على المنطقة بما في ذلك التسوق في السوق المحلي وإدراكهم أنهم لا يثيرون الشكوك، بدأ المتخفيون مهمتهم في التحقق من الموقع الذي تم احتجاز الرهائن فيه.
وأشار الموقع العبري إلى أنهم انقسموا إلى فريقين، يتألف الفريق الأول من اثنين من قوات الكوماندوز رجل يرتدي الزي التقليدي لسكان غزة وامرأة ترتدي ثوبا أسودا طويلا وحجابا.
ويقول الكاتب إنهم "بدأوا بالسير في الشارع باتجاه مركز "العودة" الطبي حيث كانت نوعا أرغماني محتجزة في مبنى سكني مجاور على بعد 200 متر من المستشفى، وكان المتخفيون يسيرون بثقة تامة وكأنهم يسيرون في أحد شوارع تل أبيب وكانوا يتوقفون من وقت لآخر عند الأكشاك المنتشرة على جانبي الشارع ويظهرون اهتماما بالمنتجات بينما يشتكون من صعوبة الوضع في غزة ولإضفاء المزيد من الأصالة"، مؤكدا أن التواصل كان باللغة العربية وبلكنة غزية مثالية.
أما الفريق الثاني فيتكون من أربع مجندات يرتدين زي النساء العربيات النموذجيات (تتظاهر إحداهن بأنها حامل) ويحملن أكياسا بلاستيكية مليئة بالمنتجات الغذائية والخضروات، وساروا في زوجين باتجاه مبنى سكني مجاور حيث تم احتجاز الرهائن الثلاثة في الطابق الثالث ووخلفهم سار أربعة رجال سريين آخرين مسلحين لتقديم الدعم لهم.
في هذه الأثناء، بقي خمسة أعضاء آخرين من الفريق السري في المنزل لحراسته والتأكد من عدم تعرض الفريق لأي مفاجآت سيئة.
وبعد ثلاث ساعات وفي وقت محدد مسبقا، عاد الفريقان إلى المنزل المستأجر وقاموا بمعالجة المعلومات التي حصلوا عليها حيث تم التأكد من أن الرهائن الأربعة كانوا محتجزين في منزلين لعائلتين من غزة وأكد قائد القوة صحة الموقعين للسلطات الإسرائيلية.
وعقب ذلك قرر مجلس الوزراء التحرك، وبدأ ثمانية وعشرون مقاتلا من "اليمام" وهي وحدة كوماندوز متخصصة في محاربة الإرهابيين وإنقاذ الرهائن، التدريب على نموذجين مصممين خصيصا لمحاكاة المبنيين اللذين تم احتجاز الرهائن فيهما.
وبعد ثلاثة أيام من التدريب أبلغ قائد القوة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الذي أبلغ بعد ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، أنهم مستعدون لتنفيذ العملية.
وبعد أن تم إبلاغ رئيس الوزراء نتنياهو ومنحه الإذن بشن العملية تمكنت من المضي قدما.
وفي ليلة الخميس 5 يونيو، صدرت الأوامر للمتخفين بمغادرة منطقة مخيم النصيرات للاجئين دون إثارة الشكوك على الرغم من بقاء أربعة منهم لمراقبة المباني للتأكد من عدم نقل الرهائن إلى مكان آخر.
وفي هذا الوقت فقط تم إبلاغ كبار القادة الإسرائيليين وأعضاء مجلس الوزراء الآخرين بالعملية.
وفي صباح يوم الجمعة الموافق لـ6 يونيو، بدأت قوات الكوماندوس الـ 28 من وحدة "اليمام" تشق طريقها في فريقين نحو المبنيين في مخيم النصيرات للاجئين وقد تخفى بعض مقاتلي الوحدة في شاحنتين.
وفي تمام الساعة 11.00 صباحا تلقت قوات الكوماندوز الأمر بالمضي قدما واقتحمت كلا المبنيين في وقت واحد لمنع المسلحين من تعريض الرهائن والعملية بأكملها للخطر.
وتستشهد رجال المقاومة الذين كانوا يحرسون الرهينة نوعا أرغماني، وتم إخراجها من الشقة ثم أخذوها إلى طائرة هليكوبتر كانت تنتظرها وأعادتها على الفور إلى إسرائيل.
ولكن بينما تمت عملية إنقاذ أرغماني بسلاسة، أصبحت مهمة إنقاذ الرهائن الثلاثة الآخرين في الطابق الثالث من المبنى الثاني معقدة، حيث استخدم بعض أفراد الكوماندوز سلما للدخول مباشرة إلى الغرفة التي كان الرهائن الثلاثة محتجزين فيها بالتزامن تزامن ذلك مع دخول بقية القوة التي صعدت الدرج من المدخل الرئيسي للمبنى.
وخلال عملية الاقتحام واجه فريق القائد أرنون زامورا نيرانا كثيفة من حوالي 30 مقاتلا من حماس في الشقة، حيث أطلقوا النار من أسلحة رشاشة وألقوا قنابل يدوية وصواريخ "آر بي جي" على القوات الإسرائيلية التي تفاجأت بالرد، علما أن قائد القوة أرنون زامورا قتل في تلك المواجهات.
ويشير الموقع العبري إلى أن حقيقة وجود 30 مسلحا في الشقة لم تكن معروفة للفرق السرية التي أبلغت تل أبيب بالمعلومات حول مكان الرهائن، ومن المفترض أنهم وصلوا إلى الشقة في ذلك الصباح أو في الليلة السابقة لتعزيز حراسة الرهائن الثلاثة.
ومع ذلك، فإن مقاتلي الكوماندوز الإسرائيليين لم تردعهم المفاجأة القاتلة واستمروا في القتال من مسافة قريبة، وانضم إليهم المقاتلون الآخرون الذين كانوا ينتظرون خارج الشقة.
وبعد معركة طويلة وجها لوجه، تم استشهاد جميع أفراد المقاومة الموجودين في الشقة.
وفي هذه الأثناء، خرج العشرات من المسلحين وبدأوا بإطلاق النار على المقاتلات الإسرائيلية من الأسلحة الرشاشة وصواريخ "آر بي جي" بالتزامن مع خروج قوات الكومندوز الإسرائيلية من المبنى (كان العديد منهم يحمل أرنون زامورا على نقالة)، حيث مروا عبر الأزقة المليئة بالدخان والسوق القريبة المزدحمة بآلاف الغزيين الذين لم يترددوا في إعدامهم دون محاكمة.
وحاولت القوات الإسرائيلية وتحت إطلاق النار المستمر، الوصول إلى سيارة الإنقاذ التي كانت بانتظارها إلا أنها أصيبت بصاروخي "آر بي جي".
وفي تلك اللحظة قام قائد العملية في تل أبيب بتفعيل "الخطة ب" خطة الإنقاذ التي تم إعدادها مسبقا وهي عملية تحت نيران كثيفة من الأرض والبحر والجو.
وبمساعدة الدبابات، اقتحم مئات الجنود مخيم اللاجئين سيرا على الأقدام وخاضوا معارك وجها لوجه مع مقاتلي حماس بينما غطتهم سفن البحرية من الغرب ومروحيات سلاح الجو من الشرق، حيث تمكنت قوات التعزيز والقوات الجوية من عزل مسرح المعركة وتوفير طريق هروب آمن للقوة الرئيسية المرافقة للرهائن الثلاثة.
وبعد المعركة، اقتاد المقاتلون الأسرى الثلاثة إلى إحدى المروحيات الإسرائيلية التي كانت في انتظارهم ونقلتهم إلى إسرائيل، ثم استقل جنود القوات الخاصة المروحيتين الأخريين.