«ما في غيرهم»
سهم محمد العبادي
«من كان جزءا من المشكلة لن يكون جزءاً من الحل».
منذ الحديث عن التشاركية بين القطاعين العام والخاص، والحديث عن التشاركية مع المواطنين ليكونوا شركاء في صناعة القرار، وهو أمر محفز لهم للانخراط بمنظومة التحديث الشامل، والحديث الدائم عن شراكة الإعلام ليكون منبر الدولة لمخاطبة الداخل والخارج، إلا أن كل هذه الخطابات الرنانة الصادرة عن بعض المسؤولين لا وجود لها على أرض الواقع.
المنتديات والمؤتمرات وغيرها من النشاطات الرسمية على وجه الدقة، تختصر على أشخاص وجماعات محددة يشاركون بها على نحو دائم، ويتشابهون بذات الصفات والرؤى، وبالتالي تجد نفس المحاور وذات المحاورين والاهداف ذاتها وبالنتيجة التوصيات أيضا كما هي، وتنتهي هذه الجرعة من «الحماسة» مع انتهاء الفعاليات والتقاط الصور مع المسؤولين ذاتهم في كل مرة.
إذا كان الوطن للجميع، فلماذا أساليب التغييب واقتصار مستقبل الوطن وأبنائه بيد جماعة معينة؟ حيث تجدهم يتحدثون في السياسة، الاقتصاد، الثقافة، الإفتاء، وطريقة تحضير التمر هندي ودورة حياة دودة القز، ورومانسية طائر «الشنير» هم نفسهم لا تغيير عليهم، وإذا ما انتهت فعالياتهم في فنادق 5 نجوم، سنجدهم يعلقون على ذات الفعالية عبر الشاشات الفضائية، ونعلم ماذا يدور خلف الكواليس والاتفاق على الأسئلة، فالقضية إظهار «سوبرمان» بأنه خارق من طراز «تخين».
بطبيعة الحال، أصبح متعارفاً عليه أن هذه الأسماء هنالك من يحددها وكأنهم «المبشرون»، ولا يمكن أن تخرج القائمة عنهم، ولا يسمح لمن يخالفهم الرأي بالحضور أو حتى تقديم وجهة نظره، فهم يريدون وجهة نظر واحدة (one man show)، وبالتالي إقصاء بقية الأردنيين من هذه المشاركات، وأن تكتفي هذه الجهة، أو تلك بدور «التلقين» للمواطن، ولسان حالهم يقول» نحن الأفضل ونحن من يرى عين الصواب»، وما علينا نحن باقي الشعب إلا السمع والطاعة.
لذلك، حتى اللحظة نجد الشارع الأردني غير متفاعل مع هذه النشاطات والنتائج الصادرة عنها، ولسان حالهم بعد تجارب عديدة يقول «حط بالخرج»، والسبب هو أن الثقة بالمجمل متهالكة، وبعض المتحدثين لا ثقة بهم، وفوق ذلك كله نجد من يحاورهم يقدم دوره بأسلوب لا علاقة له بالمهنية والأمانة الصحفية، بل جاء ليؤدي دوره على خشبة المسرح، ثم ينتهي دور»البطل الكومبارس»، وما أن يعلن عن فعالية ومعرفة المتحدثين بها إلا وأصبحنا نعرف النهاية قبل البداية كما الأفلام الهندية.
في بداية الدعوة الإسلامية كان يُرْسَل إلى القبائل والمناطق رسل يعرفون أهلها ولغة مخاطبتهم، ولهم لدى هذه الجماعات القبول، وبالتالي كنا نسمع عن إعلان قبائل بأكملها الدخول في الإسلام على يد رجل يكنون له التقدير، وجاء برسالة صادقة وواضحة لا التفاف بها، أو أعدتها شركة من هنا أو هناك.
إن كانت بعض الجهات تعتقد أن الجميع شركاء في هذا الوطن، فعليها أن تبادر في تطبيق ذلك عمليا، فالأردنيون شعب مثقف وواع لم تعد تنطلي عليهم هذه الخدع، أما إن كانت تعتقد أن «المبشرين» هم أصحاب الحظوة والحديث في كل شيء، وأن «بتوع كله» يفهمون أدق التفاصيل والمضامين، فإن هذه الفعاليات ستبقى داخل الفنادق وداخل البرامج الفضائية التي تحولت بقدرة قادر إلى «مضافات» خالية من أي إقناع أو تأثير في الشارع وكذلك خالية من أي دور للإعلام المهني والرأي الآخر، فضيفهم يجب أن يكون محسوباً على جهة ما.
الأردن العظيم لا يستحق ذلك، بل يستحق الأفضل دوما.