حماس ... من تحرير الأقصى وفلسطين إلى الحفاظ على السلطة
عمر الرداد
فرضت تحولات عميقة شهدها الموقف السياسي لحركة حماس منذ بداية طوفان الاقصى في أكتوبر من العام الماضي، بما فيها التطورات الميدانية وعنوانها إعادة احتلال قطاع غزة، وثالوث "القصف، المجاعة، وتفشي الأمراض والأوبئة" الذي فرضته إسرائيل، والتطورات السياسية بما فيها من مبادرات ومشاريع حول مستقبل الحكم في قطاع غزة، وقاسمها المشترك هو إقصاء حركة حماس عن الحكم ، جملة من التساؤلات حول أهداف العملية التي شنتها حماس، في ظل حالة من الارتباك تجاه بعض العناوين بما فيها الدولة الفلسطينية، والعلاقة مع السلطة، وعلاقات حماس مع إيران، ومستقبل وجود قيادتها في قطر.
فقد جاء في الوثيقة التي اصدرتها حماس مطلع عام 2024 " لقد كانت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، وخطوة طبيعية في إطار التخلص من الاحتلال، واستعادة الحقوق الوطنية، وإنجاز الاستقلال والحرية كباقي شعوب العالم، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس"، وفي خطابه بيوم القدس العالمي أعلن " إسماعيل هنية" ، رئيس المكتب السياسي لحماس "نؤكد بوضوح أننا متمسكون بمطالبنا المتمثلة بالوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب الشامل من قطاع غزة والعودة الكاملة للنازحين إلى أماكن سكناهم وإدخال كل المساعدات اللازمة لأهلنا في غزة وإعادة إعمار القطاع ورفع الحصار وإبرام صفقة أسرى مشرفة، وذلك كله على طريق إنجاز شعبنا الفلسطيني أحقيته في أرضه ووطنه ومقدساته".
وبعيداً عن رومانسية الانتصار والصمود في هذه الحرب، وبعيداً عن عدم التفات حماس للجريمة التي ارتكبت بحق اكثر من مليوني فلسطيني في غزة، إلا بحدود خدمة مشروعها؛ فإن الخط البياني لمواقف حماس، على الأقل وفقا لما تتضمنه بيانات وخطابات قادة حركة حماس، يؤكد أن حماس "الداخل والخارج" استبدلت ما أعلنته في بداية أكتوبر حول أسباب عمليتها من: تحرير الاقصى واستعادة الارض ، وتحرير فلسطين من البحر الى النهر ووقف التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل، الذي يهدف، حسب حماس، لطمس القضية الفلسطينية، إلى عناوين جديدة هدفها : الحفاظ على سلطتها في غزة وتقديم تنازلات تصل لدرجة القبول بتفكيك جناحها العسكري "القسام" وتحولها إلى كيان سياسي، لا يمارس العمل المسلح، وبالتزامن أصبحت مفردة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، عنواناً من عناوين الحلول المستقبلية التي تتمسك بها حماس، وهو ما يعني انسجامها مع مشروع منظمة التحرير وأوسلو.
الحفاظ على السلطة في قطاع غزة، بالاضافة للمواقف السياسية التي تصدرها حركة حماس، تؤكدها تطورات ميدانية في الحرب التي يشهدها قطاع غزة، فخسائر حركة حماس والقسام وتصفية القيادات لا تتضمنه بيانات حماس العسكرية، واصبح الاعلام الاسرائيلي هو مصدر مثل المعلومات، يعقبه اعتراف من حماس او تجاهل، فيما تشكل السيطرة على المساعدات الاغاثية التي تصل الى القطاع عنوانا لحركة حماس، فقط بهدف اثبات سلطتها، بما في ذلك روايات حول "تهديدات" لعائلات بعدم استلام اية مساعدات خارج اطار سيطرة حماس، وبالتزامن كثفت حماس اعلاناتها حول القاء القبض على ضباط وعناصر يتبعون للسلطة الفلسطينية، يمارسون اعمالا ضدها في القطاع، هدفها اظهار استمرار سيطرتها على القطاع.
ولعل في زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس "اسماعيل هنية" إلى تركيا والموضوعات التي بحثها مع الرئيس أردوغان، بما فيها انتقال قادة حماس من الدوحة إلى تركيا، بعد تواتر تسريبات أنّ الدوحة تتعرض لضغوط غربية وإسرائيلية، على خلفية تواجد قيادة حماس بالدوحة، والمساهمة في الإشراف على إعادة إعمار القطاع، بما في ذلك "استلام أموال إعادة الاعمار" على غرار الحروب السابقة بين حماس وإسرائيل، ما يؤكد أنّ حماس تدرك بعد مرور أكثر من نصف عام على الحرب، أن أقصى ما يمكن أن تحققه من هذه الحرب هو البقاء بصورة ما في السلطة التي ستحكم قطاع غزة، وربما القبول بقوات تركية وأخرى مصرية وعربية في القطاع، وقد كان لافتاً أن يبحث قادة حماس عن مقر "دائم" لقادة مكتبها السياسي، خارج قطاع غزة، في الوقت الذي يفترض أن يعود قادة الثورة إلى وطنهم وأن يمارسوا النضال مع الشعب الفلسطيني في القطاع.
سيناريوهات نهاية حرب غزة، ستحددها التطورات الميدانية في القطاع، فحماس تناور اليوم بورقتين استراتيجيتين وهما: اشتباكات "محدودة" مع القوات الاسرائيلية في مدن ومناطق القطاع، اصبحت اسرائيل اكثر قدرة على التكيف معها، ورغم محاولات التضخيم الاعلامي ، بما فيها الالتحام من المسافة صفر، وقدرات الاسلحة التي تملكها حماس، الا ان الملاحظ ان عمليات اطلاق الصواريخ واعطاب الاليات الاسرائيلية وقتل الجنود تبدو اقل "كما ونوعا" مما كانت عليه عند انطلاق الحرب، فيما الورقة الثانية تتجسد ب" الاسرى" وهي ورقة اصبحت خاضعة لحسابات اسرائيلية اكثر من كونها ورقة بيد حماس، وبالتزامن مع كل ذلك فان الاجتياح المرتقب لرفح، ربما يسهم في تعميق خسارات حماس، التي تبني استراتيجيتها لمواجهة هذا الاجتياح على اساس استثمار المجازر البشرية المتوقعة بوجود اكثر من مليون ونصف من سكان القطاع في رفح، وهي استراتيجية غير مضمونة، وتؤكد استثمار حماس بدماء الابرياء.