عن غياب الرؤية في الإقليم
مالك العثامنة
الحلول السياسية صارت ضرورة لوقف كل هذا العبث الإقليمي الجاري حاليا، والمتصاعد بوتيرة مقلقة تفضي إلى قلق أكبر من حرب إقليمية لا أحد يعرف مآلاتها ولا كيف يمكن أن تكون نهاياتها.
لكن، الحلول السياسية تتطلب "مسؤولية سياسية"، وتلك المسؤولية باتت مفقودة وغائبة حسب خارطة المشهد السياسي الدولي والإقليمي.
نحن أمام ضربة السابع من أكتوبر، وتمت كتابة الكثير عنها تحليلا وتشخيصا لكن كل تلك التحليلات بالأطنان لا تعني شيئا امام عملية عدوانية مستمرة تمارسها إسرائيل بالقتل الممنهج ومحاولات التهجير، ويبدو أن هدف إسرائيل النهائي تقسيم غزة وتفريغها قد الإمكان من سكانها، لوضعها كمنطقة مجال حيوي إسرائيلي حتى لو كانت الكلفة بالإبادة والتجريف السكاني.
حماس "فرع التسويات السياسية" تعلن عبر إسماعيل هنية قبولها للتسويات وكان آخرها تصريحاته من تركيا بقبول تموضع قوة عربية تحمي غزة! يبدو أن طرح حماس "فرع التسويات السياسية" مرتبط بورقة ما أكثر عمقا تم تسليمها في أنقرة.
لكن، حماس " الفرع العسكري على الأرض" رؤيتها مختلفة ويبدو يوما بعد يوم أن الهدف الأساسي هو حماية كوادرها من أي استهداف إسرائيلي، والتسويات لا قيمة لها عندهم "وهم يقودون العمليات العسكرية تحت الأرض" لأنها ببساطة تعني أنهم في أي تسوية سيكونون حاصل فرق لا مناص عنه. ولذا فالعمليات مستمرة مهما بلغت الكلف فوق الأرض.
من وجهة نظر إيران، فقد اجترحت في علوم التفاوض ابتكارا نوعيا، فقررت ان تمارس التدخل العسكري بنكهة سياسية كحالة فريدة في تحسين أوراق التفاوض للوصول إلى تسوية نهائية تكرسها كقوة إقليمية حاضرة، وهي مستعدة لنزع المخالب الزائدة عن الحاجة في اللحظة التي ترى فيها التسويات النهائية مرضية، لكنها بالتأكيد لن تتخلى قدر الإمكان عن كل مخالبها الخارجية، بالإضافة إلى مهارة استثنائية في ممارسة "الدعاية الخارجية" المتكئة على القضية الفلسطينية وتحويلها إلى "لطمية" مقلقة في كل مكان في الإقليم. هجومها الأخير "الخالي من خطر حقيقي فعليا" كان وقوعا اختياريا في فخ نتنياهو لتصدير الأزمة الإسرائيلية إلى الإقليم.
واشنطن، لا تدرك حتى اليوم أن اللعب على حبال المتناقضات في المواقف لم يعد حيلة مجدية في عالم اليوم، فوزير خارجيتها بلينكن يؤكد دوما أن بلاده تملك "رؤية" لكنه في كل زياراته لم يعرضها على أحد، مما يعني ان الولايات المتحدة تحاول إدارة الأزمات بلا رؤية ورغم ذلك كان لديها القرار الحازم باستخدام الفيتو ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة. الدولة التي هي الحل النهائي منذ اتفاق أوسلو الذي تم توقيعه في واشنطن أيام كان عندها "رؤية".
أوروبا، بالكاد لديها رؤية لاتحادها نفسه، وقدرتها على توليد موقف حاسم صار يتطلب معجزة، رغم إدراكها أن انفجار الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط بحروب مدمرة ستكون مخرجاته مباشرة على شواطئها وحدودها.
باختصار، الوضع يتطلب تقديم رؤية تنقذ الجميع، رؤية توافقية تشمل الجميع أيضا. وهذا لا يمكن ان يضعه أحد إلا تحالف سياسي من الدول الأكثر اعتدالا في المنطقة، وهي الدول الأكثر اهتماما بالخروج من الأزمات لأن استمرار تلك الأزمات العدمية والعبثية يشكل خطرا كبيرا على استقرارها وتهديدا له.
رؤية شاملة مبنية على "ورقة السلام" لكن بتصورات واقعية تحقق العدالة الحقيقية بلا مظلوميات يمكن أن تفجر أزمات مستقبلا، ورؤية أيضا تعالج العلاقة مع إيران وتضبط جموحها "التوسعي" وتناقش مشروعها النووي من منطلق مصالح الإقليم كله.
رؤية مبنية على كل التساؤلات الحقيقية والمحرجة وفردها على الطاولة وبوضوح يحقق مصلحة الإقليم وشعوبه.