تجييش ضد الأردن وليس لدعمه

{title}
أخبار الأردن -

ابراهيم عبدالمجيد القيسي

الأردن، نظاما سياسيا وشعبا، امتاز بالعقلانية وبعد النظر، وليس من السهولة أن يتم اقتياده وحصره في زوايا ضيقة وحرجة، وما يقال عن مواقف الدول العربية وغيرها تجاه قضية فلسطين، والتفاعل معها ومع الأحداث المتعلقة بها، لا يقال عن الأردن، وكذلك ما يقال عن تفاعل الدولة الأردنية وشعبها مع الاحتجاجات وسائر وسائل التعبير الديمقراطية، لا يمكن قبوله أو فهمه بأنه خلل، ومشكلة بالنسبة لنا، فالأردن لمن يتحدث من الخارج سواء أكان وسيلة اعلام تابعة لدولة او جهة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو استخبارية ما، ويشيطن الدولة او يشيطن المتظاهرين، فهو إما أن يكون يريد إثارة مشكلة في الأردن، وهو الاحتمال الأكبر، أو أنه باختصار لا يفهم ما هو الأردن.

نحن بلد ديمقراطي (أكثر منكم جميعا)، ومواقفنا واضحة، ومبررة، ويمتاز الشعب الأردني بوعي سياسي وثقافة ديمقراطية حقيقية، لا يفهمها او يعرفها من يحاول اليوم أن ينهض من غفلته ونومه المزمن، فمنذ نشأته بل ما قبل نشوء الدولة الأردنية الحديثة، والناس يعيشون في الأردن وفق ثقافة تعايش وتفاعل إيجابي مع كل من يعبر أو يقيم على الأرض الأردنية، وبعد كل مخاضة دولية أو إقليمية يكتسب الأردن وشعبه مخزونا ثقافيا جديدا، فتراكمت ثقافته الخاصة عبر التاريخ، ثم نشأت الدولة الأردنية الحديثة في ظروف صعبة، وسلكت طريقا سياسيا اجتماعيا معتدلا، جعل هذه الدولة تصمد في وجه كل انواع المخططات التي استهدفتها وحاولت تقويضها.

وفي العقود الأخيرة، اكتسبت الدولة الأردنية بكل مكوناتها، مرونة ومهارة وعززت التفكير الموضوعي الملتزم بالمبادئ المثلى والقيم العربية «الإسلامية والمسيحية» الرفيعة، وانتهجت اسلوبا ديمقراطيا توافقيا، قبل ان تعلن عنه وتضمنه للدستور الأردني بكل تعديلاته، ولن تعجز اليوم عن استيعاب التحديات الكثيرة الجديدة المتعلقة بتداعيات القضية الفلسطينية، أو أمواج التغيير الممنهجة التي غالبا ما تفتعلها قوى سياسية واقتصادية محلية أو دولية.

فيما يتعلق بمواقف العالم تجاه حرب الإبادة الجارية منذ 7 أكتوبر 2023، فهي مواقف سلبية، ولم تبلغ مستوى الحدث الخطير، لكن ليس كل المواقف بذات الدرجة من السوء، فهناك مواقف كاملة ضمن الممكن والمنطقي، كموقف الدولة الأردن، ملكا وحكومة وشعبا، وهناك مواقف عربية ودولية أخرى مقصرة، ومن نفس الفئة ثمة مواقف متآمرة لدول تشارك في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.. ولا مجال لإخفاء هذه المواقف فالجريمة أوضح من أن نشرعنها ونتغافل عن خطورتها وبشاعتها.

مناسبة هذا الحديث هي ما يجري من حملات اعلامية في بعض وسائل الإعلام الخارجية، التي تحاول شيطنة وتقسيم الأردنيين، بمهاجمة مواقف الدولة او بمهاجمة مواقف المواطنين الاردنيين، فكله حديث يستهدف الاستقرار والثبات والأردني في تقديم كل أشكال الدعم للقضية الفلسطينية، ويستهدف أمن واستقرار وثبات الأردن، كما يستهدف الديمقراطية الأردنية، فما يقال عن الدول الأخرى وانكفائها وارتدادها عن مبادئها لا يقال عن الأردن ولا عن شعبها، وقد حدثت أحداث كثيرة تمخضت عن تحديات كبيرة، واجهها الأردنيون وخرجوا منها أقوى من السابق.

الأردنيون، ليسوا بشياطين، ويقدسون فلسطين ويدافعون عنها ويسعون لتحريرها واستقلالها، تماما كما يقدسون الأردن ويسعون لمزيد من تقدم واستقرار فيها، وحين تتعالى أصوات الأردنيين رفضا للمجزرة بحق الفلسطينيين، فهذه علامة عافية وصدق وإيمان وعروبة ورجولة، وحين تحميهم الدولة الأردنية، وتضمن لهم كل الظروف المناسبة للتعبير عن مشاعرهم، فهي تفعل لأنها دولة ديمقراطية اولا، ولأنها تتخذ الموقف نفسه من حرب الإبادة، لكن في السياسة يختلف تعبير وفعل الدولة الرسمية عن تعبير وفعل الجماهير، وكل العالم يتفهم حجم الضغط الواقع على الأردن، قيادة وحكومة وشعبا..

نحن لا نحتاج «فزعات» اعلامية خارجية مشبوهة لنتعامل مع قضايانا المحلية، وموقفنا من فلسطين ومقدساتها، وشعبها في الأراضي المحتلة أو في الأردن أو في الشتات، موقف مشرّف واضح وثابت، وهو تاريخ طويل من التضحية والنصرة والالتزام، لا يغفل عنه إلا متنكر أشر.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير