الشعانين هذا العام في القدس الشريف
الأب رفعت بدر
ذهبت إلى القدس قبل أيام للمشاركة في أحد الشعانين بحسب التقويم الغربي والذي صادف يوم الأحد الماضي. واستعدت ذكريات الأعوام ما بين 1984 إلى عام 1995 حيث أمضيت 11 سنة في المعهد الإكليريكي في بيت جالا، وكنا نُسر بخدمة هذا التطواف السنوي الذي يُذكر بدخول السيد المسيح إلى المدينة المقدسة.
لهذا العام خصوصية كبيرة، وذلك لأن القدس لم تفرح فرحاً كبيراً من أجل ابنتها المتألمة في الجنوب غزة، وقد طغت مأساة اليوم على أعداد المشاركين في هذا التطواف هذا العام. وقد افتقر الحدث إلى عنصرين أساسيين: الأول هو مشاركة المصلين المحليين الذين كانوا في السنوات الماضية يفِدون إلى المكان من مختلف المدن والقرى الفلسطينية وحتى من الجليل الأعلى. ولم يتمكن الناس من الحضور بسبب أن التصاريح لم تعطَ إلا في آخر ساعات قبل الاحتفال، عدا عن إغلاق المعبر بين بيت لحم والقدس في ساعات الصباح الأولى يوم الأحد. إذاً أعطيت التصاريح بعدد رمزي أيضا (الفا تصريح فقط)، ولكنها أعطيت متأخرة لكي يقال للناس أنتم تريدون المشاركة، خذوا تصاريح، ولكن لن تتمكنوا من تنظيم أموركم قبل الأوان. طبعاً مع غياب الناس من القرى والمدن والرعايا والكنائس، غابت كذلك عن الحدث الفرق الكشفية الرائعة بمعزوفاتها واستعراضاتها السنوية التي كانت تعتبر من الفعاليات الرئيسية في كل احتفال خارجي مثل أحد الشعانين.
العنصر الثاني الغائب هو عنصر الحجاج، ويعود السبب إلى ذات المسبب–أي الاحتلال والعدوان على غزة. لانّ الحجاج لم يأتوا، تماما كما حدث في عيد الميلاد في آخر العام الماضي. ومنذ أكتوبر الماضي لم يأتِ إلى القدس وإلى الأماكن المقدسة في فلسطين الحجاج الذين كانوا يأمون الأمكنة المقدسة في مثل هذا العام المقدس من كل سنة. وللأمانة حضر مجموعتان سياحيتان، الاولى من المكسيك والثانية من بولندا، وحين تم الترحيب بهما، أدركنا بانّ أفواجا مؤلفة من الحجاج في الاعوام الماضية، قد تم استبدالها هذا العام بفوجين يتيمين، يعدّان على أصبع اليد الواحدة.
إذاً عيد شعانين هذا العام بدون حجاج وبدون عائلات فلسطينية عربية، كان هنالك حضور رهباني وبالأخص الرهبانيات العاملة في القدس الشريف وهي طبعاً لها حضورها التاريخي والمميز ولا ننكر أهميتها ولكنها لا تكفي لوحدها. وأما العنصر الثاني الذي شارك في هذه الفعاليات فهو عنصر المهاجرين المقيمين مؤقتاً في المدن الفلسطينية في البلاد المقدسة وبالأخص ابناء الجاليتين الفلبينية والأثيوبية.
'قدسٌ بدون حضور عربي» هذا هو أحد الشعانين في هذا العام، وهذا ما يؤكد حقا على أن الجرح ما زال قائماً ونازفا، وأن القدس تتألم من أجل غزة. وبعد يومين من أحد الشعانين كان جلالة الملك عبد الله الثاني الحسين يستقبل المقدسيين ويقول لهم نحن نهتم بغزة ولكننا لا ننسى القدس، وهذه هي المعادلة الأردنية الرائعة في هذه الأيام: عين على غزة من أجل شفائها مما حلّ وألمّ بها وترك ضحايا وشهداء وبيوتاً مهدمة تفتقر إلى سكانها الأصليين وتقدّم للمهجرين والمحتاجين غذاء ودواء، وبعين أخرى ينظر جلالة الملك في يوبيله الفضي السعيد إلى القدس الشريف، مصمماً على حماية المقدسات ومساعدة المقدسيين على إكمال رسالتهم في هذه الحياة: في أن يكونوا رسل نور وعدالة وعزاء لكل أبناء القدس، وابناء الاردن المقدسة، الصامدين على ترابهم الوطني.