الطاقة المتجددة: تقوية الاقتصاد ودعم فلسطين والتأسيس لإنهاء الاعتماد على دولة الاحتلال
جواد عباسي
من المؤكد أن الأردن قد خطى خطوات ممتازة في التحول نحو الطاقة الكهربائية المتجددة. بحسب بيانات شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) فقد وصلت القدرة التوليدية من الطاقة المتجددة في الأردن إلى 38 % من مجمل القدرة التوليدية في 2023. كذلك شكلت القدرة التوليدية لمشروع العطارات (صخر زيتي) 7 % من مجمل القدرة التوليدية مما يجعل القدرة التوليدية المعتمدة على المصادر المحلية 44 % من مجمل القدرة التوليدية.
وفي 2023 شكلت الطاقة المتجددة (رياح وشمسي) 18 % من مجمل الطاقة الكهربائية المشتراة من قبل شركة الكهرباء الوطنية فيما شكلت الكهرباء المنتجة من أنظمة الطاقة المتجددة المشبوكة على شركات التوزيع الثلاثة حوالي 10 % من مجمل الطاقة الكهربائية المستهلكة في الأردن. مما رفع حصة الطاقة المتجددة من مجمل استهلاك الأردن من الكهرباء إلى أكثر من 27 % في 2023.
لكننا للأسف ما نزال نعتمد بشكل كبير على الغاز من دولة الاحتلال. حيث شكلت الكهرباء من الغاز الطبيعي 67 % من مجمل الطاقة المشتراة من قبل شركة الكهرباء الوطنية في 2023 وتقديرا 60 % من مجمل الطاقة الكهربائية المستهلكة في الأردن.
تحت بند عدم قدرة شبكات التوزيع على مواكبة زيادات كبيرة في الطاقة المتجددة يواجه الأردن الآن انخفاضا ملموسا في مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة. ويشكو العاملون في قطاع الطاقة المتجددة من قيود عديدة ومنها تحديد السعات القصوى للمشاريع وتقليلها قبل الموافقة عليها.
أود هنا اقتراح تعديل سياسة الطاقة المتجددة في الأردن وتطبيق ما تطبقه كل من بريطانيا وأستراليا وإيرلندا وغيرها من الدول في موضوع سعات أنظمة الطاقة المتجددة الشمسية. بحيث نستطيع نرفع حصة الطاقة المتجددة من الكهرباء المستهلكة في الأردن إلى أكثر من 50 % ومعظمها سياتي عبر عديد الاستثمارات الخاصة الصغيرة وبدون الحاجة إلى مشاريع كبرى أو تمويل حكومي.
يمكن تلخيص هذه السياسة بالنقاط التالية:
•عدم تحديد حد أقصى لسعة مشاريع الطاقة الشمسية المنزلية والتجارية والصناعية والزراعية.
•الاستعاضة عن ذلك بوضع حد اقصى للطاقة المصدرة لشبكة التوزيع كما أستراليا وبريطانيا مثلا بحيث يكون صاحب النظام الشمسي بين خيار استهلاك الطاقة المنتجة محليا أو خسارتها.
•والسماح باستخدام بطاريات التخزين لكي تكون أنظمة الطاقة المتجددة هجينة معتمدة على الربط مع شبكة التوزيع وأيضا مستخدمة للبطاريات لتخزين الكهرباء.
إن الحلول التقنية التي تسمح بتحديد حد أقصى للطاقة المصدرة لشبكة التوزيع متوفرة ومستخدمة منذ عدة سنوات وكذلك فإن تقنيات البطاريات أيضا أصبحت ناضجة ومتوفرة وبأسعار تنافسية. ونذكر هنا أن التوسع في استخدام البطاريات يساهم أيضا في تخفيف الضغط على شبكات التوزيع ويوفر بديلا مهما في حال انقطاعات الكهرباء لأي سبب.
إن العائق الوحيد أمام استخدام الحلول التقنية الحديثة التي تسمح بزيادة كبيرة في حصة الطاقة المتجددة في الأردن هو فقط سياسة الطاقة الكهربائية الحالية التي ما تزال تعمل تحت النظرة التقليدية التاريخية لقطاع الكهرباء بأنه احتكار طبيعي مع أن الحلول التقنية الجديدة ألغت أي حاجة لأي احتكار في قطاع الكهرباء كما فعلت سابقا في قطاع الاتصالات الذي كان يوما ما أيضا احتكارا طبيعيا.
هذا التغيير البسيط والمطلوب في سياسة الطاقة المتجددة في الأردن سيشجع العديد من المنازل والشركات والمصانع على التوسع في استخدام الطاقة المتجددة والبطاريات وأيضا سيساهم في تغيير أنماط الاستهلاك للاستفادة القصوى من الطاقة المتجددة. مثل تشغيل مراجل التسخين والأفران والغسالات والنشافات وأنظمة التدفئة وشحن السيارات الكهربائية في أوقات إنتاج الطاقة المتجددة لتقليل الفاقد منها إلى الحد الأدنى.
من الواضح أن ديون شركة الكهرباء الأردنية الهائلة هي السبب الرئيس وراء السياسة الحالية التي تصر على تعظيم مبيعات شركة الكهرباء الوطنية من الكهرباء من الغاز الذي نشتريه من دولة الاحتلال على حساب أنظمة الطاقة المتجددة الصغيرة. وهنا نذكر أن رفع نسبة الطاقة المتجددة من الكهرباء في الأردن إلى أكثر من 50 % يعني رفع كفاءة الاقتصاد (مما يعني زيادة التحصيل الضريبي) وتوفير العملة الصعبة وتقليل عجز ميزان المدفوعات وتخفيف التلوث البيئي. فالخزينة الأردنية ضامنة لديون نيبكو ولا فرق حقيقي بين من يسدها سواء أكانت نيبكو نفسها أو وزارة المالية.
إن زيادة حصة الطاقة المتجددة في الأردن بقفزات كبيرة تبقى هدفا سهل المنال عبر تغيير بسيط في سياسات الطاقة الأردنية. وهو يساهم أيضا في التقليل من مشترياتنا من الغاز من دولة الاحتلال ويؤسس لنصل إلى يوم لا نجدد فيه اتفاقية الغاز أو نلغيها قبل نهايتها. بحيث يكون خليط الطاقة الكهربائية لدينا محلي الأصل بالكامل مكون أساسا من طاقة متجددة نظيفة وصخر زيتي موجود لتوفير الحمل الأساسي بكلفة مقبولة بعد إعادة التفاوض مع المزود الحالي أو جلب مستثمرين جدد فيه.