الحرب على غزة.. وأسئلة الأولويات الوطنية

{title}
أخبار الأردن -

نضال منصور

اقترب شهر رمضان المبارك من منتصفه، وشارف العدوان الإسرائيلي على أهلنا في غزة أن يكمل 6 أشهر، وكل التوقعات أن يتوقف العدوان في رمضان خابت، فالاحتلال مستمر في القتل، والتدمير، ولا يُقيم وزنا لمعتقدات البشر، وكل خططه تتركز على توسيع أهدافه الاستيطانية في فلسطين، والسعي للسيطرة على المنطقة بالقوة، أو فيما يسمى اتفاقيات التطبيع.

 

 

قد لا أبالغ حين أقول إن الأردن أكثر شعوب العالم انشغالا بالهمّ الفلسطيني، فقد سافرت منذ بدء العدوان على غزة إلى أكثر من دولة فوجدت أن الحياة تسير بشكل طبيعي، وأن الحرب على غزة قد تحضر في ندوة هنا أو هناك، أو حديث لمسؤول سياسي، ولكن عجلة الحياة مستمرة، أما هنا في الأردن فغزة حديث الناس في كل مكان، وهي غصة موجعة في قلوبهم جميعا، ويخجل الناس من عجزهم عن اتخاذ تدابير حقيقة تسند الغزيين في وجه حرب الإبادة، لذلك يمتنعون عن إقامة مآدب رمضانية، ولا يحضرون احتفالات، وما تزال حملة المقاطعة راسخة، وعامة.

كنت أستمع على الإذاعة عن تداعيات الحرب على الوضع الاقتصادي في الأردن، فأكثر القطاعات متضررة بشكل كبير، وكلما طال أمد الحرب زادت الانعكاسات السلبية أكثر، فأكثر، فهذه الحرب الكارثية تأتي بعد أزمة كورونا التي عصفت في العالم، وتركت أثرا سيئا على الاقتصاد الأردني، وما كدنا نتعافى، وتنهض البلاد حتى جاء العدوان الإسرائيلي المُدمر، فالسياحة التي حققت حتى شهر أكتوبر الماضي نموا لا مثيل له ضُربت، وعودتها تحتاج وقتا ليس قصيرا، فرغم أن الحرب في غزة، فإن الأردن يوضع في دائرة إقليم مشتعل، وخطر، وهكذا تتأثر كل القطاعات، عدا أن الحرب تُلقي بظلال نفسية ثقيلة على الشعب لا يستطيع أن يخرج منها بسهولة. 

بعد مرور 5 أشهر على الحرب بات يُسمع بشكل أكثر وضوحا أسئلة مرتبطة بالأولويات الوطنية في الأردن، وأن التضامن مع غزة لا يعني أن نرهن البلاد إلى ما بعد انتهائها، وأنّ علينا أن نُكمل عملنا، ونتوقف عن الاستنكاف عن مظاهر الحياة، فالأردن القوي اقتصاديا هو القادر على مساندة فلسطين.

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها أيضا أن حركة التضامن في الشارع رغم كل الوجع، والتعاطف تراجعت، وحتى متابعة الأخبار باتت تحتل مساحة أقل زمنيا في الحياة اليومية، ففي الأشهر الثلاثة الأولى كان معيبا، ومُخجلا أن تتابع شيئا غير أخبار غزة، وما يمكن قوله إن الناس تعبت، والأمر الآخر أنها بدأت تعتاد مشاهد الموت، والدمار، وهذا أمر نفسي يحدث في كل العالم، وليس حصرا بنا، والأهم أننا لا نملك في بلادنا حركات منظمة تستمر في التنظيم، والحشد إلى زمن طويل، ولهذا غضبنا، وانفعالاتنا قصيرة المدى، وهذا قد يبدو مختلفا مع جمهور أوروبي أكثر تنظيما، ويؤمن أن ضغطه يحدث فرقا في بلاده.

قصة الاهتمام بالشأن الوطني الأردني من المهم أن تشرحها الدولة بكل شفافية حتى لا تبدو عند الجمهور مؤامرة على غزة، أو قفزا من قارب التضامن، والتصدي للاحتلال الإسرائيلي، فالموقف السياسي للأردن يجب أن يستمر بوتيرته، وأن يكون حاسما، كاشفا لجرائم الاحتلال، داعما للحقوق الفلسطينية، في حين ما يتعلق بصيرورة حياتنا، والتعامل مع مقتضيات وضعنا الاقتصادي، وما هو مطلوب، وما يجب أن نتجنبه، فهذا ما يجب أن نبني عليه تفاهمات، وتوافقات.

خلاصة القول، الأردن مختلف، وعلاقته مع فلسطين دم يجري في وريد واحد، فحين يقتل أي فلسطيني تكون كل بيوت الأردنيين عزاء له، فنحن عائلة واحدة في الضفتين.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير