الأردنيون ودولتهم : مصارحات في لحظة انكشاف
حسين الرواشدة
ماذا يريد الأردنيون من دولتهم؟ لا يوجد ،حدّ علمي، أي حزب أو تيار سياسي قدّم إجابة واضحة على هذا السؤال ،،فيما تشير كل استطلاعات الرأي التي صدرت ، خلال الأعوام الماضية ، إلى أن اغلبية الأردنيين غير راضيين عن الأداء العام لمؤسساتهم الرسمية والشعبية، لكن دون أن تحدد ما هو المطلوب لتحسين الأداء .
الأردن ،ربما ، البلد الوحيد في محيطنا العربي الذي يترتب عليه -بناءً على رغبة مواطنيه والمقيمين فيه - أن يكون مشروعا للجهاد في داخله ، وللجهاد أيضا على الجبهات الأخرى ؛ أقصد الجهاد المدني والعسكري معا، ويُحمّلونه مسؤولية أي تقصير ، ولا يترددون عن توجيه أقسى أنواع النقد والتشكيك ، وربما الإساءة إليه ، حتى لو قام بكل ما يستطيع.
أعرف ، قائمة المطلوب من الدولة طويلة وثقيلة أيضا ، يمكن لأي أردني أن يسترسل بتعدادها، إبتداءً من العدالة والحريات العامة ، إلى العيش الكريم ومستلزماته، إلى العملية السياسية و مساراتها ، كما يمكن الإشارة إلى التراجعات والأزمات والخيبات التي نواجهها.
كل أردني مشروع لمظلومية ما خاصة به، كل أردني يتوجس من القادم ، كل أردني يريد أن يكون بلده أفضل بلد في العالم ، لكن الحقيقة الغائبة هي أننا لم نفهم الدولة كما يجب ، ولم تتمكن الدولة من تقديم نفسها للأردنيين كما يجب ، الدولة هنا ليست إدارات فقط ، وإنما إمكانيات وظروف ،خيارات واضطرارات، جزء من إقليم وعالم مضطرب ، الأردنيون كذلك ليسوا قلبا واحدا ، ولم يعودوا بسيطين كما كان آباؤهم وأجدادهم ..الدولة تغيرت ،وهم تغيروا أيضا.
أفضل إجابة لما يريده الأردنيون من دولتهم، كما اكتشفنا من دروس الحرب على غزة ، هي أن تكون قوية ومنيعة وقادرة على الصمود ، درس القوة والمنعة والصمود هو درس الحرب تماما ، القوة والمنعة والصمود لا يمكن اختزالها في عنصر مادي فقط ، وإنما تتجاوزه إلى كافة العناصر الإنسانية والمعنوية التي تشكل مداميك لبناء الدولة والمجتمع .
لاحظ ،هنا ،أن كل ما يمكن الاستطراد به حول الاقتصاد والسياسة ، الهوية والمواطنة، حالة النخب والمجتمع ، ينطوي تحت عنوان الجاهزية والقوه ، الإرادة والقدرة ، لأن مقابل ذلك سيكون العجز والضعف ، والاستدراج للوقوع بالحفر والأفخاخ، وقبول المطروح بلا نقاش، ثم الاستسلام للأمر الواقع دون أي مقاومة او اعتراض.
الدولة تستمد قوتها من صلابة جبهتها الداخلية ، وعزيمة أبنائها الحريصين عليها ، وكفاءة إداراتتها العامة وقدرتها على ضبط إيقاع الأحداث ، والتعامل معها بحرفية وحكمة وهدوء ، وعلى تحريك عجلة التنمية ، وتعديل المزاج العام ، وإقناع الكل بأنهم شركاء ، هل فعلت الدولة الأردنية ذلك ؟ اترك الإجابة للقارئ العزيز ، لكن من تجربتي ،خلال الأشهر الخمسة الماضية ،أقول بثقة : الدولة الأردنية أقوى مما يتصور البعض ، وأقدر على مواجهة الأزمات الكبرى وإدارتها .
لقد ثبت أن حالة "الاستثناء " التي انتزعناها على مدى عقود ماضية كانت نتيجة طبيعية لقوة الدولة ومنعتها ، وبالتالي حان الوقت لكي ننصف دولتنا ونعتز بها، لا أقصد ،أبدا ، أن نغمض أعيننا على الأخطاء (وما أكثرها)، المطلوب ان نفتح عيوننا على الواقع ، وما يحيط بنا من كوارث ، لكي ندرك كيف صمدت الدولة ، وكيف استمرّت ، وكيف نحافظ عليها ، ثم نحاسبها إذا لزم الأمر ، ونتوقع منها المزيد.
نعم ، يستحق الأردنيون أكثر من ما قدم لهم، وأكثر مما يطالبون به ، يستحقون الحرية والعدالة والحياة الكريمة ،يستحقون إدارات عامة تمثلهم وتحظى بشرف خدمتهم ، ونخبا واعية تتحدث باسمهم، ولا تكذب عليهم، يستحقون مشروعا وطنيا يجتمعون عليه، ويصبون فيه ما لديهم من طاقات وكفاءات.
لكن في المقابل ، تستحق الدولة أن يبادلها أبناؤها التحية بمثلها ، وأن يفهموا حركتها ويقدروا إمكانياتها، تستحق أن يتعاملوا معها بما يلزم من اعتراف ومعروف وإنصاف، ولا يتربصوا بها، ويتنكروا لها كما يفعل الذين يقايضونها بحسبة المصالح ، أو الذين يحسبون أنها مجرد مطار للعبور، أو "بازار " لتوزيع الغنائم والحصص، أو مجرد "مقام" لشق الصدور وتبادل اللطميات والمظلوميات.
أكيد الأردنيون المخلصون لا يفعلون ذلك أبدا.