الاخبار العاجلة
تجويد العملية التشريعية في الأردن

تجويد العملية التشريعية في الأردن

أ. د. ليث كمال نصراوين

تعد عملية سن القوانين الوظيفة الأساسية المناطة بالسلطة التشريعية إلى جانب دورها الرقابي على أعضاء مجلس الوزراء، حيث حرص المشرع الدستوري على إيراد مجموعة من المبادئ العامة التي تهدف إلى تنظيم هذه العملية، وأحال إلى الأنظمة الداخلية لمجلسي الأعيان والنواب مهام توضيح هذه الإجراءات التشريعية بنصوص تفصيلية.

إلا أن المتابع لمجريات العملية التشريعية كما تظهر جليا هذه الأيام في مشروع القانون المعدل لقانون التقاعد المدني لسنة 2019، الذي هو محور خلاف جوهري بين مجلسي الأعيان والنواب، يقف على مجموعة من الملاحظات الهامة على مراحل التشريع في الأردن، والتي يجب الوقوف عندها والعمل على مراجعتها وتجويدها.

أولى هذه الإشكاليات الإجرائية تتمثل في كثرة التعديلات التي تخضع لها القوانين الأردنية، والتي تأتي بهدف تلافي الأخطاء والسلبيات القانونية الناجمة عن تطبيق التعديلات عند دخولها حيز النفاذ. فالقانون المعدل الذي اختلف عليه مجلسا الأمة يتعلق بتعديلات جديدة على قانون التقاعد المدني لعام 1959، تهدف إلى معالجة الآثار المترتبة على نفاذ أحكام القانون المعدل لقانون التقاعد المدني رقم (34) لسنة 2018، وذلك فيما يخص سريانه على الأشخاص المخاطبين به.

فبعد أقل من سنة على آخر تعديل على قانون التقاعد المدني، جاء مشروع قانون معدل جديد في عام 2019 لتلافي مشاكل تتعلق بتطبيق القانون المعدل لعام 2018، وهذا ما يؤكد انعدام الأمن القانوني والتشريعي في الأردن.

كما أظهرت التطورات التشريعية الحالية المرتبطة بمشروع القانون المعدل لعام 2019 مشكلة إجرائية أخرى تتمثل بغياب إطار زمني واضح ومحدد لممارسة الوظيفة التشريعية. فمشروع القانون الحالي الذي جرى إقراره من قبل مجلس الوزراء في عام 2019 قد عُرض على مجلس النواب في شهر شباط من عام 2020 الذي رده بكامله، وأرسله إلى مجلس الأعيان وفق الأصول الدستورية.

وقد بدأ مجلس الأعيان التعاطي مع مشروع القانون المعدل المرسل إليه من مجلس النواب قبل أيام قليلة فقط من خلال إقراره من قبل لجنته القانونية والموافقة عليه من المجلس ككل، مع إدخال بعض التعديلات عليه وإعادته إلى مجلس النواب.

فبعد مرور أكثر من أربع سنوات على رفض مجلس النواب لمشروع القانون المعدل لعام 2019، يصوت مجلس الأعيان على قبوله في عام 2024، متخذا موقفا مخالفا تماما لموقف المجلس المنتخب.

إن عملية إقرار مشروع القانون المعدل لقانون التقاعد المدني لعام 2019 لا تزال في بداياتها. فهذا المشروع قد جرى إعادته إلى مجلس النواب، الذي قاربت دورته العادية الحالية التي يعقدها على الانتهاء، وتثور الأقاويل عن قرب رحيله لإجرء الانتخابات النيابية القادمة كاستحقاق دستوري.

وحتى لو أسرع مجلس النواب في التعامل مع مشروع القانون المعدل، فإنه لا يزال بحاجة إلى إعادة إرساله إلى مجلس الأعيان، حيث من المتوقع أن ينتهي المطاف به إلى عقد جلسة مشتركة لحل الخلاف بين المجلسين، وهذا يعني بالضرورة مرور أشهر طويلة أخرى قبل إقرار القانون المعدل لعام 2019.

ومن المشاكل الدستورية الهامة التي كشفت عنها مجريات العملية التشريعية المرتبطة بالقانون المعدل لعام 2019 عدم وجود مساواة فعلية بين مجلسي الأمة في الصلاحيات المتعلقة بإقرار مشاريع القوانين. فعقابا لمجلس النواب على ممارسة حقه الدستوري في رفض مشروع القانون المعدل، سقط حق المجلس المنتخب في مناقشة بنوده وأحكامه، وبقي له الخيار بالموافقة على التعديلات المقترحة من مجلس الأعيان أو الإصرار على قراره السابق برد مشروع القانون.

وفي حال انتقال هذا الخلاف بين المجلسين إلى الجلسة المشتركة، فإنه سيتم التصويت إما على قبول مشروع القانون المعدل بحلته التي وافق عليها مجلس الأعيان، أو ترجيح موقف النواب برد المشروع برمته.

إن النصوص الحالية في النظام الداخلي لمجلس النواب التي تحرم مجلس النواب من حقه في إعادة فتح مشروع القانون الذي سبق له وأن قرر رده، يُرجح من كفة مجلس الأعيان المعين على المجلس المنتخب، بشكل يخالف القواعد الدستورية التي تقرر حقوقا متساوية للمجلسين في العملية التشريعية.

فالمادة (93) من الدستور تنص على أن كل مشروع قانون أقره مجلسا الأعيان والنواب يرفع إلى الملك للتصديق عليه. وهذا يعني أنه يجب أن يثبت لكلا المجلسين الحقوق الدستورية ذاتها في مناقشة بنود مشروع القانون والموافقة عليها أو رفضها، وأن رفض مشروع القانون في قراءته الأولى يجب ألا يعتبر تعبيرا دستوريا كاملا عن موقف مجلس النواب من مشروع القانون، خاصة في حال مخالفة الأعيان المعينين لموقف النواب المنتخبين.

إن ما تشهده أروقة مجلس الأمة من إجراءات تشريعية مرتبطة بالقانون المعدل لقانون التقاعد المدني لعام 2019 قد كشف عن مجموعة من الملاحظات الشكلية والموضوعية الواجب مراجعتها، والتي تتمثل بانعدام الاستقرار التشريعي، وغياب إطار زمني واضح ومحدد لمراحل العملية التشريعية، وعدم وجود مساواة حقيقية بين المجلسين في مجال التعامل مع مشاريع القوانين التي يقرها مجلس الوزراء.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).