الاخبار العاجلة
تصويب وضع ممول الحكومات

تصويب وضع "ممول الحكومات"

د. خليف الخوالدة

 

لقد شكلت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي من خلال صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي مصدرا رئيسا من مصادر التمويل في الموازنة العامة للدولة، حيث اعتمدت آخر حكومتين بشكل أساسي وكبير على أموال الضمان الاجتماعي لتمويل موازناتها لسد العجز وسداد الديون.

 

 

كان الاقتراض من الضمان الاجتماعي خيارا سهلا ومضمونا، ولا يُسجل للحكومة بصراحة أي نقاط إيجابية جراء توفير هذا المصدر من مصادر التمويل.

السؤال المهم “لولا وجود أموال الضمان الاجتماعي، كيف للحكومة السابقة والحكومة الحالية أن تتدبر أمورها في سداد عجز الموازنة والديون وبقية الاستحقاقات؟” بمعنى أن أموال الضمان الاجتماعي كانت بمثابة “طاقة الفرج” لهاتين الحكومتين لا سيما أن أموال الضمان تشكل نسبة كبيرة من مصادر التمويل.

السؤال المهم هل تقوم الحكومة بتسديد الأقساط المستحقة لصندوق أموال الضمان الاجتماعي من مصادر تمويل أخرى أم بأخذ قروض جديدة من الصندوق نفسه؟ هل لدى الحكومة مصادر تمويل لتسديد مليارات صندوق الضمان؟ وهل مجرد سداد الحكومة فوائد القروض يكفي؟ كيف للمؤسسة أن تتدبر الأمر عندما تزداد الالتزامات التقاعدية بشكل يفوق الاشتراكات؟ كيف لها أن تدفع الرواتب الشهرية للمتقاعدين من مختلف القطاعات؟

بكل تأكيد، ستواجه الحكومات القادمة تحديات أكبر خصوصا عندما تتعاظم التزامات الرواتب التقاعدية على المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي إضافة إلى عدم قدرة الحكومة على السداد الفعلي (لا إعادة تدوير الديون) لأموال الضمان، حينها تتضاءل فرصة اقتراض الحكومات من أموال الضمان الاجتماعي. 

وعودة إلى صلب الموضوع، يتعرض الضمان الاجتماعي حاليا لتحديات جسيمة تتطلب التفكير والتحليل للوصول إلى حلول حقيقية اليوم قبل غد. ولهذا، أقترح فيما يلي جملة من الإجراءات التصويبية حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح.

أرى ضرورة توجيه استثمارات أموال الضمان الاجتماعي إلى مجالات ذات أثر مضاعف على الاقتصاد من حيث توليد فرص العمل وتشغيل القطاعات الإنتاجية والخدمية. وهذا يعني أن لا يكتفي صندوق استثمار أموال الضمان بإقراض الحكومات بحجة ارتفاع نسبة الفوائد وأن الإقراض الحكومي مضمون.

اقترح وقف العمل بجميع التأمينات والصناديق في الضمان الاجتماعي باستثناء تقاعد الشيخوخة، ففيها إقحام للضمان في أمور عديدة وإرهاق له وتشتيت لأموال الضمان على المدى الطويل. 

المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بموجب قانونها النافذ دخلت في عدة تأمينات وصناديق أذكر منها تأمين الأمومة وتأمين التعطل عن العمل والتأمين الصحي وغيره. يرد المؤسسة حاليا اشتراكات ولكن في المستقبل سيترتب على المؤسسة التزامات، ناهيك عن أن كثرتها يشتت جهود المؤسسة وعلى حساب قضايا أهم وأعم. باختصار، أرى خروج المؤسسة منها جميعها وبالدرجة الأولى التأمين الصحي فهذا ليس دورها بل دور جهات أخرى ومسؤولية أصحاب العمل. اقترح التركيز على تأمين الشيخوخة وتوظيف كامل القدرات المتاحة لضمان كفاءة إدارة اشتراكاته والتزاماته باعتباره الغاية الأساسية من وجود المؤسسة.

في القديم البعيد ونظرا لوجود تقاعد مدني وعسكري وبلديات وغيره حينها، كان الشمول بالضمان الاجتماعي موجها لمن يسري عليهم قانون العمل باعتباره الناظم لشؤون المشتركين خلال سنوات عملهم. ولهذا تشكل حينها مجلس إدارة المؤسسة العامة للضمان الإجتماعي من ممثلين عن الحكومة وأصحاب العمل والعمال قياسا على اللجنة الثلاثية لشؤون العمل المشكلة بموجب قانون العمل.

لكن حاليا أصحبت جميع الشرائح مشمولة بالضمان الاجتماعي ومن ضمنها من يعمل في الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية وحتى القضائية. وبالتالي لم تعد التركيبة الثلاثية التي تشكل منها مجلس إدارة المؤسسة تمثل الواقع. أعرف تماما وجود تمثيل بسيط للقوات المسحلة في المجلس ولجان المؤسسة ولكن هذا لا يكفي. لا بد من تمثيل مناسب لكافة الأطراف من أصحاب عمل وموظفين أو عاملين.

لا أرى حاجة لمجلس إدارة المؤسسة، فبالنسبة للشق التأميني هي تتعامل مع اشتراكات تستوفى بحكم القانون حيث يكفي وجود مدير عام يسانده الكادر الوظيفي في المؤسسة ويرتبط بالوزير. 

أما الشق الاستثماري الذي يتولى استثمار أموال الضمان، فهذا يحتاج إلى مراجعة وحوكمة وتمكين من خلال مجلس متخصص وخبير يتولى استثمار أموال الضمان مع الخضوع المباشر لمتابعة ورقابة المؤسسات الدستورية والقانونية المختصة ونشر تقارير شاملة بشكل دوري عن الأداء. فهذه أموال مشتركين والحذر في التعامل معها أراه لا يختلف عن الحذر في التعامل مع المال الوقف.

أما أصحاب العمل فمنهم الأردني ومنهم من مختلف الجنسيات، فهناك إمكانية قد لا تكون موجودة أو نادرة الحدوث تتمثل بتغيير في المسميات الوظيفية لأصحاب العمل وأفراد أسرهم الذين يسجلون كموظفين في شركاتهم هدفها رفع قيمة رواتبهم خلال الفترة الأخيرة التي تعتمد لحساب الراتب التقاعدي وهي في بعض الحالات القديمة سنتان وما بعدها 3 سنوات أو 5 سنوات.

الخوف أكثر إذا كانت هذه الرواتب خيالية ووهمية غير حقيقية ولكن تدفع عنها اشتراكات عالية هدفها رفع قيمة الراتب التقاعدي الذي يدفع لصاحب العمل مستقبلا من أموال الضمان الاجتماعي “أموال المشتركين”.

لذا أقترح بشدة أن يحسب الراتب التقاعدي على أساس متوسط الراتب خلال مدة الاشتراك بالكامل حتى لو كانت 30 عاما وليس فقط آخر 3 أو 5 سنوات للحيلولة دون القفزات الخيالية في الراتب آخر سنوات الخدمة.

أقترح وقف اشتراك العمالة الوافدة، مع كل التقدير لها، بالضمان الاجتماعي أسوة بالكثير من دول العالم، لأن الغالبية العظمى منها ينطبق عليها مفهوم “المهن الخطرة” والتقاعد المبكر وهذا مكلف على الضمان حيث يمتد صرف الرواتب التقاعدية للعديد من السنوات.

علاوة على أن الرواتب التقاعدية تنفق خارج البلاد وبالتالي لا يستفيد منها الاقتصاد. هذا بالإضافة إلى احتمالية تشجيع حدوث أو ربما حدوث بعض الممارسات التحايلية مدفوعة الثمن التي قد تتم بالاتفاق مع ضعيفي نفوس من أصحاب عمل من مختلف الجنسيات تعمل على رفع قيمة الاشتراكات خلال المدة التي تدخل في احتساب الراتب التقاعدي.

وأخيرا، أليس من الأفضل إخراج منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من مظلة الضمان الاجتماعي وأن يكون لهم صندوق تقاعد مستقل كضرورة أمنية؟ وأنا أدفع بشدة بهذا الاتجاه، لأنهم درع الوطن وحصنه المنيع.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).