المهزومون قبل الحرب مهزومون بعدها..

{title}
أخبار الأردن -
احمد ابو خليل 
 
منذ الآن، أي قبل أن تنتهي الحرب، هناك بيننا من حسموا أمرهم وأعلنوا الهزيمة، وهم لن يقبلوا بغير الهزيمة.
بعضهم يتصرف بسذاجة، فينظرون إلى نتائج العدوان على الأرض التي نراها جميعا، ويستنتجون أنها الهزيمة.
ولكن هناك مهزومون بإصرار وبقرار مسبق، لا علاقة له بالحرب والعدوان. لقد رتب هؤلاء مجريات حياتهم مسبقا باعتبارها شأنا لا علاقة له بكرامة الأوطان والشعوب ولا حتى بكرامة الأفراد.
أظن أن من يتعرضون للعدوان مباشرة أي أهل غزة من المقيمين فيها، هم وحدهم الذين يحق لهم النظر للأمر من زاوية الخسارة الشخصية المباشرة، أو من خلال المشهد الذي يعانونه مباشرة. إذ من المعيب مثلا لو صادفنا احدا منهم فقد أسرته وبيته ومقومات حياته وربما مستقبله الشخصي، ووجدناه يبكي الهزيمة، ان نلومه أو نحاول إقناعه أنه منتصر. فهذه خلاصة عايشها هو ورآها وخرج بتجربة شخصية منها.
لكن المعيب أكثر أن نرى أحدا من هؤلاء صبر وتحمل واعتبر كل خسارته تضحيات، وأعطى الأولوية لكرامته وكرامة وطنه، وظل مع هذا صابرا ويرى أنه انتصر.. من المعيب أن نصر عليه، ومن مواقعنا البعيدة، انه مهزوم.
هذه خيارات إنسانية للواقعين تحت العدوان، وليس علينا سوى احترامها.
أما السادة المهزومون عن بعد، فهم غالبا وإذا أحسنا النية بهم، يتحلون بقدر لا بأس به من ضيق الأفق. من قال إن تقييم صراعا مثل هذا الصراع ومع هذا العدو يخضع لزاوية نظر مهزومة ترتعب أمام قدرة العدو على القتل والتدمير.
المحزن أن بعض الأصوات المهزومة قادمة من فلسطين، أو من فلسطينيين في الخارج. منهم من رتب مصالحه وفق مجريات التفاهم مع العدو، أي أصبحت صنعته أن يعيش على هامش التفاوض مع العدو والخضوع له. ومنهم من لا يريد لحيوية الشعب الفلسطيني ولاستعداد الأجيال الجديدة منه للتضحية، أن تزعزع ركونه للسكينة.
من المفرح أن عددا من قادة الفكر على المستوى العربي والعالمي، يرون بوضوح المعنى الكبير للمواجهة الجارية في غزة. سررت منذ أيام وأنا أقرأ تعليق الدكتور مصطفى حجازي، الاسم الأبرز في دراسة النفس العربية فرديا واجتماعيا، كما سرنا ما قرأناه للمفكر منير العكش المشغول بتتبع يوميات تجربة الإبادة الجماعية للسكان الأصليين في الأمريكيتين، وأذهلنا المفكر الفرنسي إدغار موران الذي تجاوز عمره 100 عام، وهو يتحدث عن السؤال الذي تطرحه المواجهة في غزة على الغرب والحضارة الغربية، وقرأنا للفيلسوف المغربي طه عبدالرحمن وهو يحلل المعاني العميقة ثقافيا لطوفان الأقصى ولظاهرة المقاومة عموما في فلسطين ولبنان.
كل يبحث عما يريد، فالساعي للنصر يرى الانتصار والمهزوم لا يرى سوى الهزائم.
 
 
 
 
 
 
تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير