غزة بين الامداد المتقطع والحصار ...
د.هايل عبيدات
بداية وللتذكير فقط ان 60% من جياع العالم يقطنون في البلدان الاكثر سخونة وتوترا والتي تشهد حروب واقتتال , وهناك اكثر من 193 مليون شخص عانوا من انعدام حاد في الامن الغذائي موزعون على 93 دولة وهناك اكثر من 12 مليون لاجيء و25 مليون مشرد وهناك ما يقارب 800 مليون شخص نتيجة سلسلة الازمات واكثر من ملياري شخص يعانون من انعدام الامن الغذائي و5% من سوء التغذية ( 35 مليون ) على مستوى العالم.
وامام حرب الابادة وحرب التجويع التي يمارسها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطنيي الاعزل في غزة هاشم وفلسطين حيث بلغت نسبة الموتى 5% من السكان وامام الصمت الدولي الرسمي وازدواجية المعايير والتي تتزامن مع لعبة المساعدات الانسانية بالغة الدهاء والمراوغة والتعقيد واخر فصول لعبة التضليل الرصيف البحري والذي ياتي تكريسا للمخطط الصهيوني بتهويد غزة وتهجير اهلها وتفتيت اراضي القطاع , وما زالت دولة الاحتلال ماضية في تجاوزها لكل المعايير والمواثيق الدولية , والاعراف الانسانية والتي باتت تهدد استقرار النظام الدولي برمته , وامام كل ذلك فانه يتطلب تدخلا فوريا جادا عربيا ودوليا لمنع تفاقم حالة المجاعة والكارثة الانسانية في غزة خاصة انها تجاوزت مستويات الازمة الى حالة نفاذ الغذاء و استعمال الغذاء سلاح حرب وضرب الامدادات الغذائية والشاحنات وتجمعات الراغبين بالحصول على الغذاء حيث لم تتمكن المساعدات من تامين فقط 70غم و17ميلليتر للفرد حيث يتقاسم رغيف الخبز الواحد اربعة او خمسة اشخاص !! وهي تشكل قطرة في محيط الحاجة .
وعلى ابواب رمضان الفضيل ما زال الدم الفلسطيني ينزف في غزة للشهر الخامس وسط الصمت والتخاذل الدولي حيث استشهد اكثر من 15 طفلا رضيعا نتيجة استمرار الحصار وارتفاع اعداد الشهداء الى اكثر من 31 الف شهيد و تجاوز اعداد المصابين والجرحى اكثر من 70 الف من المدنيين وتهجير ما يقارب المليون ونصف المليون من اهلنا في غزة واكثر من خمسماية شهيد في الضفة الغربية.
وما زال الاردن وضمن الخيارات المحدودة والعمل المقيد بالمخاطر يقوم بواجبه الاخلاقي والتاريخي و بكل اطياف مؤسساته الرسمية والشعبية ويقوم بدور مميز وريادي من خلال استمرار الانزالات الغذائية المتكررة لتامين الحصة الغذائية وارسال قوافل المساعدات الغذائية والطبية على مدى الاسابيع الماضية لدعم صمود الاهل والبقاء على قيد الحياة هناك ولوحظ مؤخرا قيام بعض الدول العربية والصديقة بمشاركة ودعم الجهد الاردني, ولكن بالرغم من هذه الجهود فهي لن تكون بديلا عن فتح المعابر البرية , وايضا لا تكفي لسد حاجة اهل غزة من الغذاء ولا تلبي الطموح حيث ان ما يتم تقديمه لا يسد اكثر من 10% من احتياجات الناس في غزة والتي تبلغ ثلاثة مليار دولار في ظل عجز عن التمويل وتكريس سياسة التجويع .
وتاريخيا ومنذ القدم يعتبر اكبر التحديات هو تحدي الاطعام من جوع الشعوب ويعتبر اكبر عوامل انهيار الدول من الداخل , حيث يسمح للاضطرابات الاجتماعية والسياسية بالتمدد وقد تدفع تلك الظروف الى الفوضى وسقوط الدولة او النظام واعتقد ان هذا احدى الاهداف التي تسعى الى تحقيقها اسرائيل .
وهناك امثلة كثيرة على مدى التاريخ منذ عهد الرسالة الاولى وحصار قريش مرورا بمواسم الحج اثناء سيطرة الفاطميين على مصر .
واثناء حقبة الحروب الصليبية وقيام صلاح الدين الايوبي بحملات متكررة على حصن الكرك والتي كانت تحت سيطرة الصليبيين و وصولا الى حصار الجيش الاموي بقيادة الحجاج وحرب الاخوين الامين والمامون حيث كان سلاح الحصار يستخدم بدون رحمة حتى يومنا هذا .
ولغاية ضمان وصول الغذاء لاهل غزة فانه من الضرورة ان تتم مراعاة معايير هامة في التعامل مع تامين سلسلة الغذاء اثناء الحروب من خلال مساعدة الاسر الاكثر احتياجا وتعزيز الاجراءات التداخلية قصيرة وسريعة المدى والاستجابة اللازمة ومشاريع بناء القدرة على الصمود وتوفير الحماية لغاية الحصول والوصول الى الغذاء بشكل امن و على المدى القصير والمتوسط والمشاريع الطارئة لتخزين المواد الغذائية بديلا عن التهافت للحصول على الحصة الغذائية والذي بات يشكل خطرا على الحياة بعد استهداف جيش الاحتلال لتلك التجمعات البشرية كما حدث مؤخرا في دوار النابلسي و استشهاد وتعرض حياة المواطنين للخطراثناء عمليات الانزال , كما انه من الحصافة العمل على رصد العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية التي تهيمن على الناس في اوقات الازمة وتفويت الفرصة على استغلالها من قبل البعض , والتاكد من الحفاظ على ارواح المدنيين , وفي مراحل لاحقة فان ادارة الازمة تتطلب مساعدة وتعزيز الانتاج المحلي وتسهيل التجارة في المواد الغذائية بعيدا عن التحكم والاحتكار.
ولضمان نجاح ادارة الازمة فان المرحلة الاولى تقتضي التخطيط والتنبؤ بالازمة وتداعياتها , واعداد الخطط ورسم السيناريوهات , و رصد وتحليل النزاعات ومؤشراتها وعدم السماح باستغلال لقمة العيش وتسييسها ورصد احتمال حدوث ازمات في المناطق المجاورة , واتخاذ الاجراءات الوقائية والمشاريع الطارئة للاستجابة , وحماية سلاسل او حلقات التوزيع والتخزين وسلسلة النقل وايجاد خطط للتوزيع الامن للغذاء والمواطن معا ,وتطوير اليات الرصد ونشر الوعي واغتنام الفرص الرقمية بمساعدة وسائل الذكاء الاصطناعي والحيلولة دون الحاق الضرر وعلاج الاصابات واحترام سيادة القانون. وكذلك العمل على تهدئة الاسواق من التوترات وانشاء مستودعات للاستجابة واعادة ترتيب الاولويات بما يكفل الدعم العاجل والكافي للمواطنين والحفاظ على ادنى مستويات التبادل التجاري وتوسيع النوافذ التمويلية واسطول النقل البري من خلال المعابر لضمان تدفق السلع الغذائية , مما يضمن تسهيل انسياب الغذاء بشكل كافي لتجاوز الازمة وقد بات ضروريا ايجاد محفظة اقليمية عربية واسلامية او دولية تعمل على تعزيز الجهد الاردني في مشاريع التزويد الغذائي والتغذوي سواء من خلال تامين سلسلة نقل مستدام تتضمن السلع الرئيسية بواسطة النقل البري او تامين الحصة الغذائية من خلال الانزالات الجوية وباي حال من الاحوال لن تكون بديلا عن فتح المعابر والوصول الامن لكافة احتياجات القطاع وجلاء قوات الاحتلال وتوسيع نطاق الحماية الفردية و الاجتماعية وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الحصار والجوع خاصة ونحن على ابواب شهر رمضان الفضيل وفي ظل الغموضعن وجود هدنة او وقف لاطلاق النار والمفاجاة الاخيرة بما يتعلق بالرصيف البحري وبانتظار معرفة الدوافع والتفاصيل والتطبيق للرصيف يبقى الدم الفلسطيني الغزي ينزف ومحاصرا بجدران الصمت والتخاذل .