ماذا بقيٌ من تاثيرات للرأي العام في عالمنا المعاصر…؟ الحرب على غزة أنموذجا
ا.د حسين محادين*
(1)
هذا الرصد والتحليل الاكاديمي من منظور علم اجتماع السياسة، لا يرمي للانتقاص من اهمية وادوار الراي العام العالمي التاريخي ابتداء؛ ولكنه محاولة هادفة لتشخيص واقع ومآلات المستجدة ممثلة في تغير مكانة كل من:
الراي العام والشرعية الدولية من حيث اهميتهما وادوارهما المفترضة علميا وتنظيميا في عمليات الرقابة التأثير في وعلى سياسات واعمال الدول الغربية المعولمة الآخذة في التطرف /الجشع الصاعق في دعمه للدموية ترابطا مع تنامي تجارة السلاح والتكنولوجيا كاهداف استراتجية لها، وبالتالي جني ارباحها بالنسبة له كجزء من ايدلوجيتها الراسمالية التي تعولمت بعيدا عن قيم ومضامين الانسانية النبيلة خصوصا في ظل الحروب التي تؤججها وتدعم استمرارها في غزة/ فلسطين والعالم بشكل ما.
(2)
لأن كان “الراي العام” ومنذ انطلاقه كمصطلح جماهيري عام من حيث كونه اداة جمعية للتاثير والرقابة الضاغطة على مواقف واداء الحكومات في العالم منذ الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر تقريبا؛
فأن التساؤل الواخز هذه الايام هو؛ هل بقيّ الوزن التأثيري للرأي العام كما إعتادنا عليه عبر التاريخ البشري بالمعنى العلمي والسياسي عبر القرون السابقة؛ وتحديدا بعد سيادة القطب العولمي الغربي بقيادة امريكا وحلفاؤها في دول المركز منذ تسعنيات القرن الماضي..؟.
(3)
الاحظ كمتخصص اكاديمي انه ومنذ بدء حرب الابادة في فلسطين/ غزة التي تقودها إسرائيل المحتلة لفلسطين واستمرار الدعم الرسمي الغربي لها، بقيادة اميركا ممثلا في الاصرار على ايقاف اطلاق النار وإفشال اية حوارات او مفاوضات التي جرت في فرنسا،قطر، مصر، انما هو الرغبة الثأرية لديها في عدم نجاح اي حل سياسي، بدليل احباط “القائدة”اميركا لثلاث قرارات بهذا الخصوص في مجلس الامن ، مع التذكير هنا بان الدول الغربية هي التي لطالما تشدقت اعلاميا باهمية نشر وسيادة مضامين حقوق الانسان وكل من العدالة والشرعية الدولية في التعاملات بين دول وشعوب العالم واهمية التعامل مع البشر في ظل العولمة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق منذ تسعنيات القرن الماضي كما تزعم ؛الا ان الواقع الهستيري الراهن يشير الى عدم اعطاء اي اعتبار للراي العام الشعبي العالمي عندما يتعلق الامر في عدوانية اسرائيل فكرا وممارسات في غزة وغيرها ضمن هذا الاقليم الجيوسياسية والعقدي الاهم في العالم .
(4)
اقول ؛ نلاحظ علميا وعمليا وكما تؤكد ايضا كُثرة التظاهرات الشعبية والإعلامية الرافضة لاستمرار العدوان والمطِالبة بوقف القتال وهي واحدة من ابرز العوامل المؤثرة في تشكيل الراي العام العالمي ازاء العدوان ومبررات استمراره على اهلنا في غزة للآن. تؤكد بأن الراي العام بكل ادواته ولغاته لا قيمة له في نظرهم بدليل انه رغم كِبر حجم واعداد المشاركين في رفضهم للعدوان؛ لذا نلمس بجلاء بان هذا الراي العام لم يُفلح ياللوجع في تطبيق او الضغط لانجاح هدنه منصفة لحياة الشعب الفلسطيني ولو هدنة مؤقتة في غزة رغم هول جرائم الحرب والاعداد الهائلة من الضحايا ترابطا مع ذبول اسباب الحياة لاهلنا فيها كأبسط حقوق الانسان في الحصول على الطعام والأدوية ولو في حدهما الادنى، مُسجلة بهذه الوقائع الدامية المنحازة والمهددة للشرعية الدولية وقيم العيش للانسان رغم إقرارنا الضمني بهشاشة ادوار تلك المنظمات الدولية للأسف، وكأننا في هذا العالم المتعولم ايدلوجيا قد عدنا لنعيش في شريعة الغاب رغم كل مظاهر المدنية والتكنولوجية معا.
اخيرا..
ان هذه المعطيات المرفوضة انسانيا انما تمثل سابقة خطرة عبر التاريخ البشري بما في ذلك “اخلاقية” الصراعات بين اي طرفين على وجه البسيطة. وبالتالي لابد من الاعتراف بأن الوزن التأثيري الذي كان ضاغطا عبر الاجيال على صناع السياسية العالمية قد أخذ في الضمور بكل ما يحمل من اوجاع ونكوص انساني نحو مفاهيم العدالة في التعاملات البشرية بالمجمل….فهل نحن مدركون..؟.
*قسم علم الاجتماع -جامعة مؤتة -الأردن.