الاخبار العاجلة
أطباء أردنيون عائدون من غزة يروون قصص الملحمة الدائرة بالقطاع

أطباء أردنيون عائدون من غزة يروون قصص الملحمة الدائرة بالقطاع

ماجد توبه

ما الذي سترويه كطبيب وجراح وانت عائد للاردن من جحيم الابادة الصهيونية المفتوحة في قطاع غزة؟! اي كلمات ستروي عذابات وماسي اهل غزة الذين تلقى على رؤوسهم وبيوتهم ومستشفياتهم حمم الارض؟ ما الذي سترويه عن طبيب غزاوي لم يستحم منذ 74 يوما، فيما استشهد 80 شخصا من عائلته والاقارب ولا يستطيع مغادرة المستشفى لمشاركتهم العزاء؟! كيف ستجيب طفلة قطعت قدماها واوصتك كجراح قبل العملية ان تحافظ لها على ملابسها لتستر جسدها الغض بعد العملية؟! اي قهر ستجد نفسك فيه وانت تشهد في اسبوعين فقط احضار عشرة اطفال للمستشفى حث تطوعت وقد توفوا من البرد الشديد!!

الدكتور الجراح بلال العزام ودكتور التخدير مصعب عبد الرحمن جاهدا اليوم نفسيهما لياتيا للتحدث عن تجربتهما في مستشفى ناصر بغزة خلال اسبوعين مضيا، بعد ان تطوعا وخمسة اطباء اردنيين اخرين في اول بعثة طبية تمكنت من دخول غزة، من اطفال ونساء وكبار, يكفي ان تعرف انهما جاهدا للحديث في حفل تكريمي لهما اقامه المستشفى التخصصي ظهر اليوم، عندما تعرف ان زميلهم في البعثة اخصائي الاطفال الدكتور عمار الحمود، لم يستطع القدوم للحديث، بل ولم يستطع العودة للعمل –كما قال العزام_ وما يزال مصدوما من هول ما رأي من ماس وكوارث انسانية في غزة!

20 دقيقة تحدث فيها الدكتور العزام خلال الحفل، عنه وعن زميله عبد الرحمن، وعن تجربة العيش بين "اهل الكرامة والنخوة والصبر والرباط" في غزة لمدة اسبوعين، يعطي فيها اضاءات مرفقة ببعض الصور احيانا لحجم وعمق الماساة والابادة التي تنفذ وما تزال وسط صمت وتوطؤ العالم.

هذه الفريق الطبي الاردني (7 اطباء) تمكن بعد محاولتين فاشلتين في تشرين اول وكانون اول الماضيين، من دخول غزة عبر مصر بالتنسيق مع جمعية الرحمة العالمية، وبمشاركة 7 اطباء امريكيين و6 اوروبيين، ولينقسما هناك الى فريقين الاول عمل بمستشفى ناصر وسط خان يونس والثاني لم يستطع الوصول الى المستشفى الاوروبي (جنوب خان يونس) لحصار جيش العدو المستشفى ومنطقته، فذهب القسم الثاني لمستشفى اخر.

يقول العزام "اكتشفنا عند وصولنا ان وجودنا مع اطباء واهل غزة لم يكن مهما لمساعدتنا بالعلاج والعمليات الجراحية ولا ببعض الادوية والمستلزمات التي اصطبناها معنا، بل للدعم النفسي للكوادر الطبية والتمريضية ممن شعروا لاول مرة انهم ليسوا وحيدين وان هناك من ياتي ليساعد ولو بالقليل ويقف معهم بهذه الماساة".

ويشير العزام الى ان الكادر الطبي والتمريضي بمستشفيات غزة، الذين استشهد منهم الكثير واستشهد العشرات والمئات من عائلاتهم واقاربهم، هم مناضلون ومجاهدون حقيقيون، لا يكلون ولا يملون من الرباط والدوام وعلاج الناس وسط امكانيات قليلة جدا وظروف قاهرة انسانيا، يعجز عنها البشر العاديون!"

مستشفى ناصر الذي تم توسيعه في العدوان الاخير ليضم مدرسة مجاورة ويرفع عدد اسرته من 240 الى 600 سرير، يعكس وضعه الوضع الماساوي لباقي المستشفيات المتبقية في غزة بعد تدمير اغلبها، فهو يضم 30 الف نازح يتوزعون ساحاته واقسامه وممراته هربا من الموت والقصف المجرم.

ويقول العزام ان حجم الماساة والكارثة الانسانية، التي تشاهدونها على التلفاز او السوشال ميديا لا تعبر عن 30% من حجم الماساة. ويوضح "نحن نتابع ونرى ما دمروه من حجر وشجر لكن لا يمكن ان نعيش ما يسعون لتدميره في الانسان الغزاوي عبر قتله ومحاولة سحق كرامته ونفسيته وانسانيته.

اكبر اطباء غزة وغيرهم من نخب مهنية ممن كانوا يعيشون حياة طبيعية بل ومرفهة نظرا لاوضاعهم المالية الجيدة لم يعد الواحد فيهم اليوم يستطيع دخول الحمام لقضاء حاجة، دع عنك ان حماما بالمياه الساخنة او الباردة لم يعد متوفرا. يقول العزام "نحن لم نستحم خلال اسبوعين".

طبيب كبير بمستشفى ناصر لم يدخل الحمام ليستحم لثلاثة وسبعين يوما، ويضطر لغسل غياراته الداخلية بيديه كل عدة ايام، وذلك بعد ان دمر الاحتلال بيته، وانتقل وعائلته للعيش بخيمة ملحقة بالمستشفى. دع عنك نقص الغذاء والمياه، واضطرار الطبيب قبل ان يداوم صباحا لتزويد عائلته بخيمتها بالمياه وببعض مساعدات الاغذية وقليل من التدفئة.

ويلفت العزام ان الاحتلال وعصاباته يستهدفون بوضوح النخب الفلسطينية من اطباء وعلماء ومهندسين وتقنيين و"كل من يمكن ان يسهم بقاؤه بعد الحرب في اعادة اعمار غزة واستعادة الحياة فيها".

ويشرح اكثر "الاستهداف واضح للاطباء خاصة الكبار منهم والعلماء و باقي المهنيين، اما بالقتل او الاعتقال او حتى استهداف عائلاتهم واقاربهم بالقتل والتدمير الممنهج، كما حصل مع رئيس الجامعة الاسلامية بغزة الذي يحمل دكتوراة بالفيزياء".

ويروي العزام قصة طبيب راه في المستشفى وقد بدا منهارا وكالمتشردين، وعندما استفسر اجيب بانه طبيب كبير، ذهب جيش الاحتلال لاعتقاله في بيته فلم يجدوه، فاعتقلوا والده الثمانيني، ليضربوه ويعذبوه ويذلوه، قبل ان يصطحبوه معهم ويلقونه بايدي بلطجية من المستوطنين حيث انهالوا عليه بالضرب والطعن، ففقد الوعي، وعندما استفاق وجدده الناس كانت قد قطعت يده ورجله... فقط لانه ابو الطبيب الكبير الذي يريدون ان يذلوه ويحطموه.

ويروي العزام قصة طبيب اختصاص اخر: "كنا بجولة طبية بالمستشفى، فجاء خبر للطبيب ان بيت اخته قصف واستشهدت اخته واطفالها، فابى ان يترك جولته على المرضى واكمل مهمته، ليقول لي عند استغرابي:  نحن هنا في رباط على ثغرة من الحرب.. لا نستطيع ترك مهمتنا وواجبنا".

ويزيد العزام "عرفت بعدها ان هذا الطبيب فقد 83 من افراد عائلته واقاربه".

وعرض العزام صورة طبيب اخر من مستشفى الشفاء بغزة، وقال "هذا الطبيب دخل جنود الاحتلال بيت اخيه فقتلوه وقتلوا زوجته وابنه المريض وتركوا 3 اطفال اخرين لتبقى الحسرة بقلوبهم".

طفل جريح اخر عرض العزام صورته وقد قطعت يده اليسرى من منتصف الكتف، يقول "ماذا كان بامكاني ان اجيب هذه الطفل عندما سالني بعد العملية: عمو ايدي هاي (المقطوعة) راح تكبر وتطول لما اكبر"! وطفلة اخرى عرض صورتها تطلب منه بقهر قبل ادخالها العملية بعد قطع قدميها بقصف "يا عمو دير بالك على اواعيي (ملابسي) بعد العملية.. ما عندي غيرهم".

ويلفت العزام الى ان المشكلة والماساه لا تقف عند الاصابات في القصف العدواني، بل ايضا في الانهيار البيئي والصحي والغذائي وغياب مقومات الحياة، فالبرد مثلا ، بات يتسبب بوفاة الكثير من الاطفال والكبار.. خلال تواجدي بمستشفى ناصر احصينا 10 اطفال وصلوا المستشفى متوفين من البرد الشديد، وهو امر يتكرر يوميا مع اطفال غزة ورضعها وكبار السن فيها".

ويختم العزام انطباعاته وخلاصة تجربته في غزة مع اهلها واطبائها بالقول "هو خليط من الشعور والاحساس، شعور بثبات وصبر هذا الشعب العظيم واصراره على الصمود والمقاومة.. وبين شعور قاتل بحجم الماساة والكارثة الانسانية التي تحيق بهم من كل جانب".

وشدد العزام "ما علينا نحن البعيدين باجسادنا عنهم التذكر ان الحرب والعدوان ما يزال مستمرار والقتل متواصل.. وان علينا ان نستمر بتقديم كل ما نقدر عليه.. بجمع التبرعات والمساعدات والتطوع للعلاج هناك، والتظاهر لابقاء الماساة حية ونشر المزيد لفضح جرائم العصر التي ترتكب بحقهم تحت نظر العالم وسمعه".


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).