"أسوأ" منصب في الأردن

{title}
أخبار الأردن -

بسام بدارين

أعرف بحكم المتابعة المباشرة ما الذي يحصل مع وزراء الإعلام والاتصال في المشهد السياسي الداخلي الأردني تحديدا. قد تكون واحدة من أسوأ المناصب والوظائف هي تلك التي تحمل صيغة «الناطق الرسمي».

ولا نتحدث حصرا لا عن الناطق الرسمي الإعلامي ولا عن من يتولى باسم مجلس الوزراء هذا الموقع، فمن يحمل مسماه الوظيفي بيروقراطيا عبارة الناطق، أمامه خياران بالعادة، حتى لو كانت وظيفته النطق باسم محل تجاري. الخياران هما تلمس أي عبارة شاردة هنا أو هناك لقول أي شيء من أي صنف في لحظة معلومة أو نبأ بهدف إظهار البقاء على قيد الحياة.

هنا قد تنتهي الرغبة بورطة كبيرة لأن منهجية انسياب المعلومات أصلا في الحالة الإدارية الأردنية عموما تحتاج إلى ثورة بيضاء لا بل إلى لجنة ملكية عريضة تقود إلى توافق وطني وتؤمن بأن الشفافية والمصارحة مع الرأي العام لا تجازفان بأمن الدولة لا بل على العكس تماما تحمي الخيار والحكومة والمؤسسات من الشائعات والتكهنات وأفلام الذباب الإلكتروني ومن الفبركات والتأويلات.

الخيار الثاني الانضمام الفوري وبقرار مسبق مبني على الرصد والنية المسبقة إلى شريحة الناطق الأخرس وهي تعني أن تتقلد هذه الوظيفة لسبب ما ثم تقرر أن لا تتحدث لا بالصغيرة ولا بالكبيرة خوفا من أن تخطئ أو تتورط لأن منظومة المعلومة مضروبة.

بكل حال لا أحسد زميلا او شخصا أعرفه على تقلد وظيفة الناطق الرسمي فهي الأصعب والأكثر تعقيدا في الأردن وبصراحة لا أعرف حتى اللحظة أحدا نجح في هذه الوظيفة بمعنى الامتياز المهني والأداء المنتج ومنع الغبار من تغليف نقاش المواطنين هنا وهناك وفي كل القضايا ما صغر منها وما كبر.

واحدة من إشكالات غياب الشفافية والمصالحة أن الشك يسبق اليقين شعبويا دوما عند سرد رواية رسمية حول أي معلومة… لا أحد حتى اللحظة تجرع مرارة الدعوة الى تأمل وطني في هذه المفارقة، فالرأي العام يسمع ويصغي ويقرأ، ولكن التشكيك بالمحتوى مفترض سلفا في مفارقة تحتاج لعلماء اجتماع وفلاسفة وخبراء جماهير وبعض الأطباء النفسيين لتفكيكها وتحليلها.

عينت يوما المحامية والحقوقية الوطنية الراحلة أسماء خضر وزيرة تنطق باسم الحكومة، وكنا طوال الوقت نعتبر أن اختيار شخصية مهمة مثل السيدة خضر رحمها الله في هذا الموقع مؤشر كبير على قفزة حضارية إداريا في مجال الشفافية ومراقبة الأداء والمتابعة.

رحلت تلك الشخصية الفريدة عن الدنيا لاحقا فيما ثمة شهود عيان على كيفية قطع مياه وكهرباء المعلومات عن «الوزيرة المعنية» لأنها «تقدمية ونقدية ومن خارج النادي الكلاسيكي». أحيانا لا يعلم الناطق الرسمي ما الذي يجري حوله حتى ينطق به او يعبر عنه.

خضر رحمها الله تميزت بجرأة كبيرة لأنها كانت تبلغنا بذلك عندما نسأل أو نستفتي، حتى أنها وأمامي شخصيا قالت في اجتماع ما بأن مصدر معلوماتها الأساسية أحيانا هي الإعلام وليس العكس، لا بل طلبت علنا من صحافيين نافذين إبلاغها بما يجري. بكل حال تجربة الناطق الرسمي لم تتطور في الإدارة الأردنية.

بعض رؤساء الحكومات يسارعون في الرهان على حصان وزاري ما عند تشكيل أي حكومة وتكليفه بهذا الملف المقلق وسرعان ما يتهمونه لاحقا بالفشل أو بعدم القيام بمهماته مع أن الرؤساء أنفسهم يميزون أحيانا بين الوزراء ويحجبون المعلومات عن من اختاروهم بالنطق باسم الحكومة.
الجميع بدون استثناء يزعج ويضايق من يتولى وظيفة الناطق الرسمي فالسلطات المختصة لا تجد نفسها معنية بوضع المعلومات في الوقت المناسب بين يديه والزملاء، سواء كانوا وزراء أو موظفين لديهم أيضا حسابات وحساسيات وغالبا ما يحجبون المعلومات عن زميلهم الذي يفترض أن ينطق باسمهم ويعبر عن مؤسساتهم.

التعقيدات تزيد على نحو غير مألوف أحيانا، فوسائط ومنصات التواصل الاجتماعي تراقب كل ما يتفوه به ناطق ما وتتمسك طبعا في الأثناء بقيم الشك المسبق، فيُقصف الناطق ويُلاحق وتحرق كل أوراقه عبر منصات التواصل عندما يقرر مزاولة مهنته وبصرف النظر عن المحتوى والموضوع وسرعان ما يتهم الناطق إذا نطق أصلا من بقية المؤسسات خصوصا، إذا اجتهد سياسيا ولغويا ومارس بعض الصلاحيات في التعبير اللغوي لأغراض الإعلام وأفلتت منه الدقة.

يلوم الجمهور أيضا الناطق الرسمي وتقصفه بيانات المعارضة في الداخل وفيديوهات البث المعارض الخارجي وبدلا من أن تكون مهمته تقديم الرواية الرسمية الموضوعية لجميع الأطراف ينشغل في صد ورد سلسلة كبيرة من المكائد، تنصب له في العتمة ومن شركاء في الوظيفة أحيانا، فيما الرأي العام وحصرا على منصات التواصل قرر مسبقا أن لا يرحم وفيما كل الأحقاد والضغائن والعقد النفسية الاجتماعية تمارس ضد الناطق الرسمي ويتم تصفية الحسابات جميعها على جثته إذا ما أطل أمام كاميرا أو أمسك وطنيا بميكرفون.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير