مثلث الرعب الحدودي الملتهب: ما تستره عمان تفضحه واشنطن

{title}
أخبار الأردن -

بسام البدارين

 

سياسياً، الجهة التي قررت «إلحاق» قواعد لوجستية أمريكية موجودة في الأراضي الأردنية بخططها لـ «ضرب المصالح الغربية» ينبغي لها أن تعلم مسبقاً بأنها «قلصت هوامش المناورة» تماماً أمام الأردن الذي يحاول، باجتهاد، التصدي للعدوان الإسرائيلي بكل إمكاناته دون توريط جغرافية المملكة بصراع يبدأ ولا أحد يعلم كيف ينتهي على المستوى الإقليمي.
عملياً، صعب جداً توجيه اللوم لأي طرف في «محور المقاومة» لمجرد أنه يحاول التصدي لخطط اليمين الإسرائيلي المدعومة أمريكياً بكل حال، بعنوان «قصف همجي» لقطاع غزة أو تصفية القضية الفلسطينية.
لكن عملياً أيضاً، فإن بقاء الأردن في دائرة توازنات تساهم في تصليب موقفه أو تجنب إضعافه بين فكي الكماشة الأمريكية ـ الإسرائيلية، يجب أن يكون من بين الأهداف العميقة للعقلاء في «محور المقاومة»؛ لأن معادلة «حساب الأردن» تماماً على المحور المعاكس في هذه اللحظة الحرجة «غير مفيد» وغير منتج خلافاً لأنه «ظالم تماماً».
لا أساس للقول إن التيار الأردني الداخلي الداعي للتصعيد مع قوى عراقية وسورية الآن حتى تحت ستار التصدي للمخدرات يتبنى وجهات نظر موزونة ومنطقية وغير مغامرة، لأن الواجبات الأمنية وحماية حدود المملكة مسألتان قيد «الإجماع الشعبي والوطني» برأي القطب البرلماني خليل عطية، فيما أي تأسيس لمسافة «تقارب مع الحليف الأمريكي» مرحلياً في مواجهة «قوى ما» في العمقين السوري والعراقي هو خيار صعب وإشكالي ومنتج للمتاعب ولا يتقاطع مع ميول ومواقف الشارع الأردني.

التوازن المرن… والنفي القاطع

 

مصلحة الأردن هي أن يبقي معركته في ملف المخدرات بمستواها الأمني فقط ويمنع تسييسها، الأمر الذي يمكن دوماً وطبعاً تلمسه من مقاربات كل نصوص البيانات الرسمية الأردنية. وبالتأكيد، بالمقابل، مصلحة الأردن -برأي السياسي مروان فاعوري ـ هي تجنب التورط أو الانخراط بأي صيغة محتملة بتلك السياسة الأمريكية العبثية التي تشتبك الآن مع الإيرانيين في العراق وسوريا ومع الحوثيين في اليمن.
التوازن المرن والمنتج الذي تحدث عنه لـ«القدس العربي» وزير الخارجية أيمن صفدي، يفترض أن يتفعل في كل الاتجاهات، وقد بدا ذلك أيضاً من صيغة ونص البيان الرسمي العسكري الذي صدر في وقت متأخر مساء السبت رداً على تسريبات صحافية تزعم بأن طائرات أردنية شاركت في الحملة الأخيرة ضد بعض منشآت قوى المقاومة في العراق وسوريا.
في البيان المشار إليه تذكير بـ «مبدأ سيادي» أردني مستقر من عقود، فكرته عدم التدخل في الشؤون الخاصة بالدول المجاورة والشقيقة، والأهم أن البيان لم يقف عند حدود نفي مشاركة طائرات أردنية، بل لاحظ الجميع أنه تقصد حصراً الإشارة إلى العلاقات الأخوية مع العراق وعدم وجود أي نوايا لإفسادها.
النفي الأردني ببساطة كان قاطعاً وبلغة «حاسمة» وطلب من الأردنيين استقاء المعلومات من المصادر الرسمية. لذلك، لا مبرر إطلاقاً لأي أصوات محلية «تشكك» بالرواية الرسمية أو تصر على أن الأردن «بدأ ينخرط» في الإطار العملياتي الأمريكي المنفلت في العمقين السوري والعراقي، مع أن «التحالف الأردني الأمريكي» الاستراتيجي بكل المجالات «حكاية لا يمكن نفيها» وقصة يريد الشعب الأردني بعد 7 أكتوبر أن يناقشها. وأيضاً مع أن بعض المنظمات المسلحة العاملة في سوريا ثم في محور المقاومة، لا تقدم ما يكفي من «أدلة» لا للشعب الأردني ولا لدولته، بعناوين «التقاعس عن المساعدة في مسألة تهريب المخدرات».
مثل ذلك التشكيك لا تستفيد منه عملياً أي جهة، بل قد يخدم في بعض هوامشه الرواية الأمريكية الإعلامية التي مالت منذ أسبوع على الأقل للإيحاء بأن الأردن طرف في الصراع مع القوى العراقية والإيرانية، لا بل طرف ـ كما قالت صحيفة وول ستريت جورنال ـ أمس، في هجوم الرد الأمريكي.

 

ما هو غير واضح بعد محلياً يتمثل في «إجابة» على هذا السؤال: ما هو المعيب في مسألة وجود قواعد أمريكية في الأرض الأردنية حتى «تنفي» مع أنها أصبحت حقيقة تناولها بأسئلة دستورية عدة نواب برلمان، على رأسهم صالح العرموطي؟
ما هو الخطأ في صدور تصريح بيروقراطي حكومي يمارس الشفافية ويقول بصراحة للأردنيين: «نعم، البرج 22 المقصوف موجود في الأراضي الأردنية»؟
والأهم: لماذا «سكت» الناطقون الرسميون والإعلام الرسمي عندما أصدر البيت الأبيض لـ 6 أيام تصريحاً تلو الآخر يتحدث فيه عن «عملية الأردن» خصوصاً إذا لم تكن حقاً في الأرض الأردنية؟

«سلوك غير مفهوم»

 

زادت باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، بأن اتهمت علناً «أطرافاً تديرها إيران بانتهاك السيادة الأردنية».
أهل السيادة نفسها لم يقولوا بذلك، وسمح للمستشارة ليف أن تفلت بتصريحها من «الفلاتر» الحكومية التي تقتنص وتصطاد ما هو أقل شأناً بكثير من المعلومات والحكايات.
إن ما لا يحب الرسميون الأردنيون التحدث عنه، فيه إشارة واضحة إلى أن «سلوكاً غير مفهوم» ظهر من واشنطن الأسبوع الماضي، يحاول «الزج» بالأردن في سياق الصراع العملياتي مع أطراف محور المقاومة، علماً بأن فكرة المقاومة اليوم ومحورها غزة، سواء أنكرت الدوائر الرسمية ذلك أم لم تفعل، «تخدم» مستقبل الأردنيين، كما صرح الرئيس أحمد عبيدات.
لافت جداً للنظر أن الجهة التي قصفت البرج 22 لم تشر من قريب أو بعيد إلى الأردن أو لوجوده في الأردن، وأن بيانات الفصائل التي ضرب الأمريكيون مقراتها الجمعة، لم تنشر حرفاً له علاقة بالأردن ومشاركته.
طرفان في المقابل «يزجان» بالأردن في مواجهة لا يرغب بها ولا يحتاجها، وهما: الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتها الإعلامية، وبعض الأردنيين البسطاء الذين يفضلون دوماً التشكيك بالروايات الرسمية بدون تقديم أدلة عملية معاكسة.
تعرف فصائل مثل الحشد الشيعي وحزب الله العراقي «توازنات وإمكانات» الأردن، وتم الاتصال بها عندما تجمع آلاف العراقيين على الحدود مع المملكة، وثمة حلقات وسيطة «عراقية نافذة» تتشاور مع العمق الأردني مباشرة عندما ترغب طهران في تبادل رسالة ما مع عمان.
والعاصمة الأردنية من جهتها، تعلم بأنها لا تستطيع بأي حال تبني خطاب قوى المقاومة تلك وفوضاها، لكنها ليست بصدد «المغامرة» بصراع معها سيكون مكلفاً للغاية لو لم تُدَر الخلافات، أي خلافات تطرأ، بحكمة وتعقل يرافقان بالعادة المؤسسة الأردنية في لحظات التأزيم.
بالتوازي، يتسرع من ينتج الردود الإعلامية، ولا يبدو مستوى الاحتراف العملياتي العسكري يرقى إليه مستوى «الأداء الإعلامي الرسمي الحكومي» مع أن الوزير الشاب والديناميكي والمثقف الدكتور مهند مبيضين يناور ويحاول بكل الاتجاهات. وفي الخلاصة، وفي مسألة «الزج بالأردن» جغرافياً يتضح: ما تستره عمان تفضحه واشنطن… لماذا يا ترى؟

تصريح عسكري

 

وكان مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية صرح أول أمس السبت، بأن سلاح الجو الملكي الأردني لم يشارك في الغارات الجوية التي نفذتها القوات الجوية الأمريكية داخل الأراضي العراقية.
وأضاف المصدر في رد على سؤال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إنه «لا صحة للتقارير الصحافية التي تم تداولها حول مشاركة طائرات أردنية في العمليات التي نفذتها طائرات أمريكية داخل العراق، وأن القوات المسلحة الأردنية ـ الجيش العربي تحترم سيادة العراق الشقيق» مؤكداً «عمق العلاقات الأخوية التي تجمع الأردن مع الدول العربية كافةً».
وكان الجيش الأمريكي قد أعلن الجمعة شن غارات على أكثر من 85 هدفاً في دير الزور والميادين والبوكمال في سوريا والعراق، ردًا على الهجوم المميت الذي شنته ميليشيات موالية لإيران وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن. وقالت الحكومة العراقية في وقت سابق السبت إن «العدوان السافر» أسفر عن مقتل 16 شخصاً بينهم مدنيون وإصابة 25 آخرين. كما نفت بغداد أنها نسقت مع الولايات المتحدة بشأن الضربات، وحذرت من أن الهجوم سيدفع الوضع الأمني إلى «حافة الهاوية» في العراق والمنطقة.
تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير