محكمة لاهاي والدول العربية
سيف منور / باحث سياسي وقانوني
يحار الناظر لما جرى اليوم من أحداث في اروقة محكمة العدل الدولية في لاهاي ، من حجم الانتهاكات الاجرامية التي ارتكبتها اسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين في غزة ، ويستغرب ، الم يكن بمقدور اي دولة من الدول العربية ال٢٢ ان تقوم بما قامت به دولة جنوب افريقيا ، وان تنصف الفلسطينيين ، وان ترفع دعوى قضائية كما جرى اليوم ، اذا كانت المحكمة تقبل الدعوى من الاشخاص والدول التي تنضوي تحت ولاياتها ، او الموقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية ، فتساؤل المواطن العربي البسيط يقول : كيف لنا كعرب ولدينا كل هذه الامكانيات ان نغفلها وتأتي جنوب افريقيا وتنتصر للفلسطينيين ؟ ودعنا نضيّق المسألة ونقول الم يكن باستطاعة السلطة الفلسطينية بزعامة عباس ان تنتصر لأبناء جلدتها وان تلجئ لمحكمة العدل الدولية ، ما هذا الاخفاق العربي ، وما هذا التهاون الفلسطيني في ارواح وممتلكات الابرياء في غزة
ابدع الجنوبيون الأفارقة في تقسيم الادوار التي قاموا بها امام هيئة المحكمة الموقرة ، فقد قدموا عرضا مبهرا ، قل نظيره ، وكأنما الضحايا الغزيين هم ابناء جلدتهم او ابناء عمومتهم ، حيث قدموا الادلة الصوتية والمرئية والخطابات الرسمية لقادة الكيان الصهيوني وفيديوهات الجنود الصهاينة ، وفيديوهات تفجير المنازل والمدارس ، وكأنهم كانوا يجمعون المعلومات والوثائق والصور كأدلة دامغة على مدى توحش وهمجية جنود الاحتلال الاسرائيلي .
ان العرض المتميز الذي قام به اساتذة القانون المحاميين من جنوب أفريقيا جعل العالم الحر والمتمدن والمتحضر والقاسي والداني يحكم على اسرائيل من اول جلسة من خلال العرض المتميز بأنها دولة إجرام ، ولذلك ما عاد هنالك حاجة لان ينتظر العالم نتيجة المحاكمة ، فما قد عرض كان كافيا ووافيا لأن يحكم المواطن العادي في اقاصي الارض ، بغربها وشرقها وجنوبها وشمالها ، بعد ان بثت قنوات التلفزة العالمية الجلسة الافتتاحية وما شاهدوه من تركيز عالٍ على فحوى ومضمون الادلة الدامعة ضد هذه الدولة العنصرية ، التي تمارس الإبادة الجماعية ضد العزّل والبسطاء من البشر ، كانت كفيلة بان يستخلص المتلقي نتيجة المحكمة النهائية وكأنما حكم على اسرائيل بالنبذ ، فهي اليوم كيان منبوذ حتى لدى من دعموها في الحرب ، بعد هذه المرافعة أخذ الجميع يتنصل منها ، وكأنما هي وباء يصيب كل من اقترب منه
ان موعد المحاكمة جاء في وقته ، وذلك لان دولة الكيان العنصري كانت تتجه في نهاية الثلاثة اشهر من القصف المركز على خيار التهجير الطوعي للغزيين ، بعد ان فشلت في محاولتها الاولى في بداية الحرب في تنفيذ التهجير القسري عندما مسحت احياء بأكملها ومدن ، وحشرت الغزيين في جنوب القطاع ، كي يهربوا عبر الحدود الى سيناء ، فالمحكمة اليوم تستطيع ان تجبر اسرائيل عبر مجلس الامن الدولي والجمعية العمومية ، بأن توقف القتال والتهجير لأنهما من الجرائم ضد الانسانية .
ما يهمنا في هذا المقال انه كان من الممكن ان يكون للدول العربية مجتمعة او منفردة ، او لجامعة الدول العربية الموقف ذاته الذي قامت به جنوب افريقيا، من اقامة دعوى ضد اسرائيل ، ومن قطع العلاقات مع الكيان ، وكان يمكن لهم ان تكون مواقفهم المشرفة في سماء العروبة ومع اشقائهم الفلسطينيين، الا ان الوهن العربي والتفكك العربي حالا دون حيازة هذا الشرف العظيم .