الرداد يكتب: المسكوت عنه في اغتيال صالح العاروري.. ما علاقة حزب الله؟
كتب عمر الرداد
تطرح عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المقيم في لبنان صالح العاروري، وعدد من رفاقه من عناصر كتائب القسام في لبنان، جملة من التساؤلات العميقة تتركز حول كيفية تنفيذ العملية وتوقيتها، بالإضافة إلى التساؤل الأهم الخاص بمكان تنفيذ العملية، وهو قلب الضاحية الجنوبية في بيروت الخاضعة أمنياً بالكامل لسيطرة الجهاز الأمني التابع لحزب الله في لبنان.
ولأنّها عملية استخبارية كاملة الأركان، فقد أحيطت بالضرورة بسرية عالية جداً، حتى داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية، وما كان لها أن تنفذ بهذا التوقيت إلا بعد تخطيط مسبق وجمع معلومات "دقيقة ومؤكدة" من قبل الجهة المنفذه "المخابرات الإسرائيلية" تخدم استراتيجيات محددة معروفة ومعلنة هدفها القضاء على قيادة حماس، وإعداد قائمة "معلنة" تشمل قيادات عسكرية وسياسية من حركة حماس داخل قطاع غزة وفي الساحات الخارجية التي تمارس فيها حماس نشاطاً علنياً أو سرياً بهدف تصفيتها، وكان معلناً من قبل الإسرائيليين أنّ العاروري على رأس قائمة الاستهداف، وهو ما كانت تعرفه حماس والعاروري نفسه والجهاز الأمني التابع لحماس، بالإضافة إلى الجهاز الأمني التابع لحزب الله، لا سيّما المكلف بمهمة المتابعة الأمنية لمنطقة الضاحية الجنوبية، المنطقة الأكثر أهمية وحساسية لدى حزب الله.
ورغم تعدد الروايات، وغالبيتها لا تستند لمصادر موثوقة، رغم ما تتضمنه من تسريبات مقصودة وأخرى هدفها التضليل والحفاظ على سرية العملية وعدم كشف أسلوب الاغتيال، إلا أنّ السيناريو الأكثر واقعية هو أنّ العملية نفذت عبر مُسيّرات إسرائيلية، وتم استخدام قنابل "ذكية" من نوع "جي بي يو 39" قادرة على اختراق متر من الخرسانة، وهو ما يستبعد روايات أشارت إلى أنّ التفجير تم من الداخل بزرع قنابل، لأنّ هذا السيناريو يتطلب دخولاً بشرياً لعملاء أو عناصر تنفيذ، وهو ما يُعدّ مغامرة لا تقدم المخابرات الإسرائيلية عليها، لمعرفتها المسبقة بالإجراءات الأمنية المشددة في الضاحية الجنوبية وسهولة كشف أيّ عناصر غريبة.
توقيت تنفيذ العملية "خلال اجتماع للعاروري مع كوادر قيادية في حركة حماس"، وعدم وجود عناصر من حزب الله، يطرح شكوكاً حول بؤرة الاختراق الأمني، وفيما إذا كانت من بين عناصر من حماس أم من حزب الله
ومع ذلك، فإنّ السؤال حول توقيت تنفيذ العملية "خلال اجتماع للعاروري مع كوادر قيادية في حركة حماس"، وعدم وجود عناصر أو كوادر من حزب الله، يطرح شكوكاً حول بؤرة الاختراق الأمني، وفيما إذا كانت من بين عناصر حماس أم من بين عناصر حزب الله، ورغم أنّ لدى حماس وحزب الله سجلات حافلة باكتشاف شبكات تجسس من داخلهما تعمل لصالح الموساد، إلا أنّ المرجح هو أنّ عناصر لبنانية تقف وراء الاختراق الأمني، مع عدم استبعاد عناصر حماس بشكل كلي، وتطرح هنا تساؤلات حول من كان يعرف موعد الاجتماع ومكانه والحضور، في منطقة أمنية تحت سيطرة حزب الله وجهازه الأمني بالكامل.
وفي السياق الأوسع للعملية، فإنّ مسارات التحليل تتركز حول القيادتين الإسرائيلية والإيرانية وعلاقتهما بالعملية، فبالنسبة إلى إسرائيل لا شكّ أنّ اغتيال شخصية بوزن العاروري يُعدّ مكسباً للحكومة اليمينية الإسرائيلية، في ظل "الفشل" في تحقيق انتصار عسكري حاسم على حماس في قطاع غزة، كما يُعدّ خسارة لحركة حماس استناداً للمهمات التي يتولاها العاروري، بما فيها تنسيق دعم الجبهات لدعم حماس وقيادة القسام في مناطق الضفة الغربية، وارتباطه الوثيق مع الحرس الثوري والقيادة الإيرانية، وبالنسبة إلى إيران فإنّ شكوكاً عميقة تطرح حول دورها، فأجهزتها الاستخبارية في لبنان، وبالتعاون مع أجهزة حزب الله، تعلم أنّ العاروري على رأس قائمة المستهدفين من قبل إسرائيل، فهل تم كشف العاروري في الضاحية الجنوبية، وهل كان لديها تقديرات بقرب اغتياله، ولم تبلغه بذلك، ولم توفر له الحماية الكافية؟
أجهزة حزب الله تعلم أنّ العاروري على رأس قائمة المستهدفين من قبل إسرائيل، فهل تم كشف العاروري في الضاحية الجنوبية، وهل كان لديها تقديرات بقرب اغتياله، ولم تبلغه بذلك، ولم توفر له الحماية الكافية؟
التساؤلات بمرجعية الشكوك بالموقف الإيراني ومواقف حزب الله غير معزولة عن سياق سجالات غير مسبوقة بين حماس والقيادة الإيرانية حول أسباب "طوفان الأقصى"، فقبل أيام من اغتيال العاروري ادّعى قادة في الحرس الثوري أنّ "طوفان الأقصى" كان انتقاماً لمقتل قاسم سليماني، وهي قضية ذات حساسية عالية بالنسبة إلى حماس التي يؤيدها الرأي العام الإسلامي "السنّي"، ممّا دفع بها لأن يصدر الناطق العسكري باسم القسام "أبو عبيدة" بياناً ينفي فيه المزاعم الإيرانية، ويؤكد أنّ "طوفان الأقصى" جاء بجهود تراكمية للمقاومة الفلسطينية منذ عشرات الأعوام، وأنّ هذا الطوفان ثمرة من ثمراتها.
إسرائيل لا تخفي نواياها باستهداف قادة حماس في الداخل الفلسطيني وفي الخارج، وتؤكد أنّ "رموز حماس ممّن يُعرفون برموز التيار الإيراني" داخل قيادة الحركة، إضافة إلى القادة العسكريين، ومن تصفهم بالمخططين للسابع من تشرين الأول (أكتوبر)، سيكونون على قائمة الاستهداف، وهو ما يعني أنّ ساحات أخرى مرشحة لأن تشهد مزيداً من عمليات الاغتيال، ربما لا تكون تركيا وقطر من بينها، لحسابات خاصة لدى الإسرائيليين، ولا شك أنّ هذه العمليات تحظى بغطاءات أمريكية وأخرى أوروبية، لا سيّما أنّها تقع في صلب المرحلة الثالثة من حرب غزة، التي يدل الكثير من المؤشرات على أنّها بدأت تدريجياً بالانسحابات المتوالية لقطاعات وألوية الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وتصاعد وتائر الحديث عبر طرح خطط وسيناريوهات لإدارة غزة وحكمها ما بعد الحرب.
ورغم كل ذلك، فقد تستمر عمليات الاغتيال، وربما تسجل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نجاحات وإخفاقات هنا وهناك، لكن تبقى الحقيقة القائلة إنّ عمليات اغتيال قادة ورموز وبحصرية الحلول الأمنية وحدها، لن تنهي القضية الفلسطينية ولا المقاومة، فالعنف لا يولّد إلا عنفاً مضاداً، وهو ما يدعو للتساؤل فيما إذا كان ما بعد "طوفان الأقصى" فرصة تاريخية تؤسس لمشروع سلام يفرض على المنطقة، جوهره الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل؟