سؤالان مترابطان: كيف تردّ إيران… متى يسقط نتنياهو؟
د.عصام نعمان
«إسرائيل» ماضية في حربها المتطورة تدريجياً إلى حرب شاملة ضد الشعب الفلسطيني ومَن يدعمه قولاً وفعلاً من العرب والعجم. مجازرها ومحارقها الكارثية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر. مع ذلك، لا يهتزّ ما يُسمى المجتمع الدولي ولا يفعل شيئاً محسوساً لوقف الكارثة المروّعة.
خلافاً للدول الكبرى والصغرى المتحالفة مع الكيان الصهيوني العدواني، أو المتواطئة معه، تنبري الشعوب في سابقة على مستوى العالم برمته للاحتجاج والتنديد بالصهاينة وحلفائهم المجرمين، وللمطالبة بوقف الحرب الإبادية، ودعم أهل الرأي العقلاء المتمسكين بقيم الحق والعدل والحرية، الذين يطرحون سؤالين مترابطين: أين وكيف ستردّ إيران على «إسرائيل» لاغتيالها أحد كبار جنرالاتها المساندين لسوريا في دفاعها المشروع عن نفسها، في وجه الكيان الصهيوني العدواني وحلفائه الأشرار؟ ثم متى يسقط بنيامين نتنياهو بعدما أخفق أمام أقرانه وجماعته في «ردّ الاعتبار» لجيشه المهزوم وكبّد كيانه المتقلقل خسائر اقتصادية باهظة، جرّاء حربه الإبادية التي كلّفت اقتصاده المتعَب، حسب البنك المركزي الإسرائيلي، أكثر من 50 مليار دولار بحلول عام 2025؟
إيران مصممة على الردّ في الزمان والمكان المناسبين، وفق تأكيد رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، وكبار قادة الحرس الثوري. الزمان مهم للغاية، ذلك لأن تأخير الردّ يسيء إلى هيبة البلاد داخلياً وخارجياً، كما ينتقص من فعالية الردّ سياسياً وعسكرياً. مهمٌ كذلك مكان الردّ، لأن من المنطقي أن يكون موجعاً وألاّ تكون فعاليته السياسية والعسكرية أقلّ إيلاماً ومردوداً ووقعاً من واقعة اغتيال العميد رضيّ موسوي في سوريا، فأين تراها تردّ إيران وكيف؟ ثمة تخمينات كثيرة في هذا المجال. يقول بعضهم إن الزمان مسألة سياسية في الدرجة الأولى، وهو بالتالي من اختصاص القيادة السياسية، أما المكان فهو من اختصاص كِلا القيادتين السياسية والعسكرية وذلك بالنظر إلى ما يمكن أن ينتجه الانتقام من انعكاسات وتداعيات سياسية وعسكرية في آن. بعد اغتيال القائد المرموق قاسم سليماني على مقربةٍ من مطار بغداد، اختارت طهران موقعين للردّ في قلب العراق لكونه مسرح الجريمة النكراء، فضربت بقسوة قاعدة عين الأسد، كما ضربت قاعدة عسكرية أمريكية أخرى أدنى حجماً بالقرب من أربيل عاصمة كردستان العراق. الى ذلك، ينتصب سؤال آخر: هل يكون مكان الردّ داخل «إسرائيل» براً أم بحراً، وهل يكون له طابع عسكري؟ أم اقتصادي؟ إذا كان الموقع المفضّل للردّ عسكرياً، فمن المرجّح أن يقع الاختيار على موقع عسكري قريب له صلة مباشرة بحرب «إسرائيل» الإبادية على قطاع غزة. ذلك يُحقّق لإيران مكسباً لافتاً هو الثأر من القوة العسكرية الصهيونية الشرسة، ويحقق للمقاومة الفلسطينية أيضاً مكسباً ميدانياً وازناً، هو إضعاف الهجمة الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة. أما إذا كان الموقع المفضّل للردّ اقتصادياً، فمن الممكن أن يقع الاختيار على موقع لتصنيع الآليات والمسيّرات والطائرات والقطارات، أو على بئر بحرية لاستخراج الغاز والنفط، الأمر الذي يحرم كيان العدو مردوداً مالياً كبيراً من عائدات بيع هاتين المادتين الإستراتيجيتين. لكيفية الردّ أهمية موازية إن لم تكن اكثر أهميةً من مكان الردّ، ذلك لأن الردّ بصواريخ باليستية بحمولةِ تفجيرات ثقيلة بمقدورها أن تُحدث دماراً وأضراراً كبيرة وموجعة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، خصوصاً إذا كان مكان الردّ في عمق كيان العدو، واشنطن أدركت سلفاً مخاطر وتداعيات ذلك على حاضر ومستقبل سياستها ومصالحها في الشرق الأوسط، فسارعت بُعيد اغتيال العميد موسوي إلى إبلاغ طهران موقفها بعدم توتير الأجواء لتفادي تطور الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى حرب إقليمية. نتنياهو يُدرك أيضاً مدى خطورة الردّ الإيراني ومكانه، لذا سيستغل الفرصة للردّ على إيران بعنفٍ مضاعَف أملاً بحملها على القيام بردٍ أكثر عنفاً، ما يضطر أمريكا ـ في ظنّه ـ إلى التدخل حمايةً لـِ»اسرائيل» من غضبةٍ ايرانية كاسرة. في ضوء هذه الاعتبارات والاحتمالات الخطيرة فإن طهران ستكون حريصة على إجراء حسابات دقيقة، سياسية وعسكرية، قبل تنفيذ ضربتها الثأرية الحتمية عاجلاً أو آجلاً.
يبقى السؤال الآخر الأكثر إلحاحاً: متى يسقط نتنياهو؟ الإجابة صعبةٌ جداً في حمأة صراعٍ متعدد الأطراف من جهة، وينطوي على متغيرات وصعوبات جمّة من جهة أخرى. مع ذلك، يمكن القول إن سقوط أكثر رؤساء حكومات «إسرائيل» تطرفاً وتصلباً لا يبدو وشيكاً وإن كان حتمياً في نهاية المطاف.. لماذا؟ لأسباب داخلية وأخرى خارجية. فعلى الصعيد الداخلي تتصاعد المعارضة الساخنة له من أهالي الأسرى المطالبين بتحرير أبنائهم بأي ثمن، كما تتصاعد تكلفة الحرب على جميع المستويات. صحيفة «ذي ماركر» قدّرت التكلفة اليومية لقوات الاحتياط الإسرائيلية بمبلغ يتراوح بين 88 مليون و110 ملايين دولار. عجزُ الميزانية يزداد أيضاً بشكل تصاعدي بسبب تكاليف الحرب من جهة، ومن جهة أخرى لتباطؤ الحركة الاقتصادية بفعل انخفاض حجم الضرائب والرسوم المجباة، وانسحاب الكثير من شركات التكنولوجيا من الكيان. كل هذه العوامل أدت إلى إقرار ميزانية الدولة أخيراً بعجزٍ يربو على 6 في المئة من الناتج المحلي الذي يقدّر بـ30 مليار دولار.
على الصعيد الخارجي، ثمة تحدٍّ مالي وعسكري إضافي يواجه كيان العدو في الحاضر والمستقبل المنظور، هو نفاد العديد من أنواع الأسلحة، نتيجةَ استمرار الحرب، على الرغم من أن الولايات المتحدة قامت، بحسب صحيفة «معاريف» (2023/12/27) بدعم «إسرائيل» بأكثر من 200 طائرة شحن منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى السفن التي حملت إليها أكثر من 10 آلاف طن من الذخيرة والعتاد العسكري، لكن الحرب المستمرة وخطر تصعيد المواجهة مع حزب الله إلى حرب شاملة يفرض ملء مخازن السلاح، فكان أن طالبت «إسرائيل» من الولايات المتحدة الحصول على المروحيات الضرورية في القتال على كل الجبهات، وما زالت الإدارة الأمريكية تبحث في الطلب، وهذه ورقة ضغط مهمة على نتنياهو يملكها الرئيس بايدن».
هل يضغط بايدن على نتنياهو، ولماذا؟ تريد إدارة بايدن، حسب إيتان غليواع كبير الباحثين في معهد القدس للإستراتيجيا والأمن، في صحيفة «معاريف» (2023/12/27) «أن تنهي «إسرائيل» مناورتها البرية الشديدة القوة في نهاية كانون الثاني/ يناير 2024 والانتقال إلى المرحلة الثالثة من قتال أقل قوة». لماذا ؟ لأن إدارة بايدن تريد من «إسرائيل» البدء في مفاوضات من أجل التوافق على ترتيبات تفضي إلى اعتماد حلّ الدولتين. نتنياهو يرفض حلّ الدولتين بل يفاخر بأنه منع قيام دولة فلسطين مذّ تولى السلطة قبل أكثر من عشر سنوات، كما يثابر على رفض البحث في قيامها الآن خوفاً من زعزعة حكومته الإئتلافية ومعارضة الوزيرين المتطرفين بن غفير وسموتريتش. سيثابر نتنياهو على الرفض، وسيثابر بايدن بدوره على الضغط عليه إلى أن يتراجع تحت وطأة نفاد أسلحته الضرورية لحربه التي أخفقت في ليّ ذراع المقاومة الصامدة من جهة، ونجحت من جهة أخرى في تعبئة معارضةٍ متصاعدة له بين الأهالي المطالبين بتحرير أبنائهم الأسرى، كما أفلحت على ما يبدو في حمل بعض نوات حزبه الليكود على التخلي عنه. باختصار، إيران ستردّ في الزمان والمكان المناسبين، ونتنياهو سيسقط عاجلاً أم آجلاً في زمانٍ لم يعد مناسباً له على الإطلاق.
كاتب لبناني
issam.naaman@hotmail.com