ما هو دور إيران في التصعيد على الحدود الأردنية- السورية؟
الدكتور عمر الرداد
أعلنت القوات المسلحة الأردنية أنّها خاضت مواجهات على الحدود الشمالية مع سوريا مؤخراً، ضمن مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية، أسفرت هذه الاشتباكات لغاية الآن عن إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة الأتوماتيكية والصاروخية، كانت عبارة عن أسلحة نوعية: "صاروخ نوع روكيت لانشر عدد (4)، وصاروخ نوع آر بي جي عدد (4)، وألغام ضد الأفراد عدد (10)، وبندقية قنص نوع جي3، وبندقية نوع م16 مجهزة بمنظار قنص، وتدمير سيارة محملة بالمواد المتفجرة، إضافةً إلى ضبط كميات كبيرة جداً من المواد المخدرة"، وهي المرة الأولى التي تحاول فيها هذه المجموعات تهريب هذا النوع من الأسلحة إلى الأردن، ونتج عن هذه المواجهات إصابة عدد من الجنود الأردنيين، وصفت إصاباتهم بين خفيفة ومتوسطة.
ورغم أنّها ليست المرة الأولى التي تخوض فيها القوات الأردنية المسلحة مواجهات مع "شبكات" تهريبب المخدرات، التي تستخدم أساليب وتكتيكات متنوعة باستخدام سيارات الدفع الرباعي، والطائرات المسيّرة، إلا أنّ ما يميز العملية الأخيرة أوّلاً: أنّها شهدت اشتباكات ومواجهات مسلحة وتبادلاً لاطلاق النار، وثانياً: بالرغم من وجود مخدرات كانت بحوزة المهربين، إلا أنّ الجديد هو نوعية الأسلحة التي كانت تخطط هذه الشبكات لتهريبها إلى الجانب الأردني، والتي تضمنت قذائف "آر بي جي" بالإضافة إلى أسلحة أخرى، من بينها بنادق أوتوماتيكية رشاشة، وهو ما يشكل تطوراً نوعياً جديداً يطرح تساؤلات فيما إذا كانت القوات المسلحة الأردنية أمام تحدٍّ أمني متصاعد، يقتصر على مواجهة عصابات مختصة بتهريب المخدرات، هدفها توفير مصادر دخل وتمويل مالي، وبمعزل عن علاقاتها بالسلطات السورية، أم أنّ الجيش الأردني أمام تحدٍّ أكبر بمواجهة ميليشيات مسلحة، بدلالة كميات ونوعيات الأسلحة المنوي تهريبها للأردن؟.
يستخدم الأردن الرسمي عبارات دبلوماسية لا تتضمن اتهامات مباشرة لإيران والحرس الثوري بالوقوف وراء هذا التصعيد، كالقول إنّ جماعات تهريب وعصابات مدعومة من "جهات وأطراف إقليمية"، إلا أنّ المرجح أنّ القيادة الإيرانية تقف وراء هذا التصعيد
لا شك أنّ ما يتردد في أوساط إعلامية أردنية بأنّ عصابات تهريب المخدرات استغلت أحوال الطقس وبدء فصل الشتاء وما يوفره الضباب من غطاءات لعصابات التهريب يبدو منطقياً إلى حد كبير، لكنّ ذلك لا ينفي حقيقة أنّ الأردن بمواجهة تصعيد يتجاوز عناوين تهريب المخدرات، فهذه الأسلحة لا يمكن أن تكون بمرجعية تهريب تقف وراءه عصابات تهريب مخدرات، لا سيّما أنّ جنوب سوريا يشكل ساحة من ساحات الوجود الإيراني، ممثلاً بحزب الله اللبناني وفصائل شيعية تابعة للحرس الثوري الإيراني.
يستخدم الأردن الرسمي عبارات دبلوماسية لا تتضمن اتهامات مباشرة لإيران والحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء هذا التصعيد، كالقول إنّ جماعات تهريب وعصابات مدعومة من "جهات وأطراف إقليمية"، إلا أنّ المرجح أنّ القيادة الإيرانية تقف وراء هذا التصعيد، وهو تصعيد يتساوق مع مقاربات إيرانية تجاه الأردن ترى فيه حليفاً استراتيجياً لأمريكا، وينفذ سياسات أمريكية في المنطقة، وأنّه يأتي في إطار الاستثمار الإيراني للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية، فهذا التصعيد غير معزول عن حشد أتباع ميليشيات عراقية على الحدود العراقية الأردنية تطالب بفتح الحدود للمرور إلى الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى مخططات إيرانية أخرى، لا تكشف عنها السلطات الأمنية الأردنية بصورة مباشرة، على أمل معالجتها في أطر سرية مع القيادتين السورية والإيرانية، لا سيّما أنّ لدى السلطات الأردنية ما يكفي من ملفات تستند لمعلومات استخبارية وتحقيقات، تتضمن وبالتفصيل الجهات التي تقف وراء هذا التصعيد "إيرانية وسورية" ومخططاتها.
يدرك الأردن أنّ التصعيد الجديد مرتبط باستثمار حرب غزة، وتتعامل قواته المسلحة المكلفة بحماية الحدود وأجهزته الأمنية مع هذا التصعيد في إطار الفعل وردّ الفعل حتى الآن
المخططات الإيرانية بتهريب أسلحة ومتفجرات متطورة وقذائف صاروخية إلى الأردن، بحجة إدخالها للمقاومة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، تهدف لاستثمار حرب غزة، بإدخال أكبر كمية من الأسلحة وتخزينها في الأردن لاستخدامها في تنفيذ مخططات تستهدف إثارة الفوضى في الأردن، وعلى غرار ما يجري في اليمن بقيام الحوثيين بتهديد الملاحة البحرية في باب المندب بحجة التضامن مع القضية الفلسطينية، وما يتعرض له أهالي قطاع غزة من ضربات وحشية تنفذها إسرائيل، في حين أنّ الهدف الحقيقي مرتبط بالقيادة الإيرانية التي تريد ترجمة ما تحذّر منه حول توسع حرب غزة إلى حرب إقليمية.
يدرك الأردن أنّ التصعيد الجديد مرتبط باستثمار حرب غزة، وتتعامل قواته المسلحة المكلفة بحماية الحدود وأجهزته الأمنية مع هذا التصعيد في إطار الفعل وردّ الفعل حتى الآن، رغم تغيير قواعد الاشتباك منذ أوائل العام الجاري بعد ازدياد عمليات تهريب المخدرات، لكنّ تزايد الشكوك الأردنية بأنّ تصاعد عمليات التهريب مرتبطة فقط بتيار في أوساط القيادة السورية، والانتقال من تهريب المخدرات إلى محاولات لتهريب متفجرات وقذائف صاروخية، سيكون دافعاً للأردن لتصعيد مماثل، ربما تتم ترجمته بتوسيع المواجهة واستخدام أساليب وتكتيكات جديدة، لا تصل إلى مستوى فتح الجبهة الشمالية لحدوده، لكنّها ستتخذ تكتيكات مواجهة الجماعات الإرهابية، التي تختلف عن مواجهة عصابات تهريب المخدرات، وهو ما يعني أنّ احتمالات ضرب قواعد ومراكز قيادات "جماعات وميليشيات" في الجنوب السوري ستكون أحد الخيارات المطروحة على طاولات صناعة القرار الأردني.