لماذا التصعيد، الآن ، على جبهتنا الشمالية؟

{title}
أخبار الأردن -

‏حسين الرواشدة 

‏في أي سياق يمكن أن نفهم هذا التصعيد الخطير على جبهتنا الشمالية؟
 استدعاء السؤال ضروري لسببين ، الأول : التوقيت ، هذه الاشتباكات تزامنت مع الحرب على غزة ، وربما تكون جزءا منها،  فكما أن غزة هدف لإسرائيل ، ليس بعيدا أن تكون الأردن هدفا لقوىً أخرى ، تريد إشعال المنطقة كلها،  الثاني : ضخامة الحدث وخطورته،  صحيح أن جبهتنا الشمالية تتعرض ،منذ سنوات ، للهجمات التي يقوم بها تجار مخدرات ، محسوبون على النظام السوري وحلفائه( إيران تحديدا)،  لكن هذه المرة كانت عملية  الاشتباك أوسع في الزمان والمكان ، وأشرس في المواجهة ، وتجاوزت المخدرات إلى الأسلحة ، وانتهت إلى اعتقال عدد من أعضاء المجموعة المهاجمة ، ثم جرى الإعلان عن تفاصيلها بشكل غير مسبوق.

‏لكي نفهم  ما حدث ، يمكن الإشارة إلى ثلاثة مسارات ، الأول : أن التهديد الذي استهدف الأردن كان مصدره مربع التحالف في سوريا،  المليشيات هناك تمثل جيشا كبيرا (تعداده يصل إلى 40,000 عسكري)، يشكل جبهة حرب جاهزة،  أجندتها معروفة اتجاه الأردن ، سواء من جهة محاولة أضعافه وإشغاله،  أو تهديده وجسّ نبضه،  ورسالة  التصعيد واضحة ، تتناسب تماما مع أهداف إيران في المنطقة ، وما تبعثه من إشارات لمختلف الأطراف المعنية في الحرب على غزة،  أما اختيار الأردن كهدف إضافي  فقد يعني التلويح بتوسيع دائرة الحرب ، وقد يعني معاقبة الأردن على مواقفه .

‏الثاني : ربما تشكل هذه العملية الكبرى عسكريا،  رسالة سياسية من أطراف أخرى خارج مربع التحالف السوري الإيراني ، كرد على تصعيد الخطاب السياسي الأردني تجاه محور العدوان الأطلسي  على غزة ، وربما يصب  فتح جبهة الشمال باتجاه (لفت النظر)  لما يمكن أن يحدث  لنا مستقبلا ، وما يتوجب على الأردن أن يفعله على صعيد ترتيبات ما بعد العدوان على غزة،  أخشى هنا أن تكون هذه الأطراف استدارت سياسيا،  أو تفكر بذلك على الأقل ، في سياق توزيع الأدوار القادمة على الفاعلين في المنطقة ، ومنهم الأردن،  الذي يبدو أنه غرد خارج سرب منظومة التحالف ، وهي منظومة ثبت أنها تضم معظم الدول العربية ، والدول الكبرى في الإقليم.

‏ الثالث : يريد  الأردن ،بتقديري،  أن يبعث برسالة إلى كافة الأطراف التي تقف وراء هذه العملية،  أو الأخرى التي لها علاقة بما يحدث في المنطقة من تحولات ، مفادها أن الدور الأردني في مواجهة  التطرف والإرهاب ، والتهريب بأشكاله ، مازال قائما ، وأن لديه القدرة على مواجهة أي تهديد لأمنه الوطني ، التأكيد على الدور والجاهزية  والقدرة والخيارات المفتوحة ، لا يتعلق ،فقط،  بحدودنا الشمالية،  وإنما يتجاوزها لما هو أبعد من ذلك،  كما أنه رسالة للداخل الأردني الذي تقمص حالة الحرب في غزة ، مفادها أن بلدنا في خطر من جبهات أخرى،  وأن الدولة تملك عناصر القوة لمواجهة هذا الخطر ، المهم هو الحفاظ على الجبهة الداخلية ، ورفع الهمة الوطنية ، والاستدارة نحو الداخل وقضايانا،   والتحديات التي تواجهنا.

‏بصرف النظر عن أي مسار مرجح مما ذكرته سلفا،  فإن بلدنا يواجه مرحلة مزدحمة بالأخطار والضغوطات والتهديدات ، فسوى الروم خلف ظهورنا رومٌ نعرفهم ، وآخرون ربما لا نعرفهم حتى الآن،  هذا يستدعي أن نفتح عيوننا ، ونحسب خطواتنا ومساراتنا  بدقة ، ثم نضع في اعتبارنا أن القادم يستدعي أن نفعل الكثير معا ، وأن لا نسمح  لأحد أن يعبث بنواميسنا الوطنية،  أو أن يستقوي على حساب مصالحنا الكبرى ، وأمننا الوطني ، ووجودنا ، كدولة ومجتمع،  أيضا.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير