نتائج اختبارات «بيزا» وتراجع أداء طلبتنا
الدكتور اخليف الطراونة
نعلم أن بعض التقييمات التي تجريها مؤسسات دولية أو محلية قد يجانبها أحياناً الصواب وعدم الدقة أو ربما تكون مدعاة للشك وعدم اليقين أو أنها مرتبطة بأهداف وغايات غير المتعلقة بموضوعاتها.
على كل حال؛ تقتضي النتائج التي أظهرها برنامج PISA (برنامج التقييم الدولي للطلبة) وهو مبادرة تشرف عليها منظمة التعاون والتنمية الدولية (OECD) ويهدف إلى قياس أداء الطلبة البالغين في عمر ١٥ عاماً في مجالات: العلوم؛ والرياضيات؛ والقراءة، وخلُصت إلى أن هناك تراجعاً في ترتيب الأردن في هذه المجالات؛ ليصبح من أسوأ (٧) دول عالمياً فيها، وهي نتائج تثير الاستغراب والصدمة، وتستدعي وقفة تأمل وتدبر واستقراء موضوعي وذي مصداقية.
لقد تحدثت، ومنذ سنوات خلت، عن رؤيتي للعملية التربوية برمتها المتمثلة في تعزيز مكانة المعلم، بالدرجة الأولى: مادياً؛ ومعرفياً، وأن تكون المناهج الدراسية من إنتاجنا الوطني؛ أي من خلال كليات العلوم التربوية المتخصصة في جامعاتنا الأردنية، وضرورة إعادة النظر في آلية التدريس وطرقه ووسائله. وأشرت أيضاً إلى عدم جواز انفكاك وانفصال دوائر التربية عن الوزارة: المناهج والتدريب؛ والامتحانات، وغيرها. وطالبت بإعادة النظر في آلية اختيار مجلس التربية كأحد مجالس الحاكمية في هذه العملية، ليكون جزءاً منه انتخاباً؛ لتعزيز القرار الجماعي بديلاً عن التفرد بالقرار المنوط بالوزير أو بأحد الأمناء العامين.
ولست وحدي الذي تحدث عن ذلك؛ فهناك أحد وزراء التربية الأسبق قد أشار إلى ضرورة العودة إلى الأساسيات القديمة في التعليم، وتطرق إلى المدارس التي لم ينجح فيها أحد، وطلب من كلية العلوم التربوية في الجامعة الأردنية في أثناء رئاستي لها، بإجراء دراسة متكاملة عن الأسباب الكامنة وراء هذا الضعف التعليمي، شملت زيارة هذه المدارس، والاطلاع على واقع الحال التعليمي فيها، وأصدرت اللجنة المعنية توصياتها في هذا الشأن، لكن، ومع الأسف، لم يتم العمل بها من الجهات ذات العلاقة.
ليس من نافل القول أننا بحاجة فعلية إلى إعادة النظر في مناهجنا الدراسية، بالرغم من أن المركز الوطني لتطوير المناهج يعمل جاهداً على هذا الأمر.
وأجد أنه من الضروري والمناسب العودة إلى أساسيات التعليم القديمة التي تربينا عليها، وإدخال المضامين الحديثة فيها، مع الإفادة من بعض التجارب العالمية المرموقة. فالقراءة والكتابة والحساب موجودة في موروثنا الثقافي قبل الإسلام الذي جاء معززاً وداعماً لها؛ فقد جاء في قوله تعالى » اقرأ باسم ربك الذي خلق ....»
وذكر ابن خلدون أهمية القرآن في التعليم ثم أصول الشعر واللغة والحساب.
وعالمياً؛ عندما شعر الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان، أن المدارس الأمريكية قد ضعفت، أصدر تقريراً عنونه بـ » الأمة في خطر: أمر إلزامي لإصلاح التعليم » الذي مثّل حدثاً بارزاً في العملية الأمريكية الحديثة.
أخلص إلى القول: إن هناك حاجة ماسة لتشكيل لجنة فنية متخصصة من كليات العلوم التربوية في الجامعات الأردنية، تكون مهمتها دراسة وتحليل واقع التربية والتعليم في بلدنا الحبيب، وما جاء في التقرير المذكور لمعرفة نقاط الضعف ونقاط القوة في العملية التعليمية المدرسية، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين وتجويد، لنسير في ركاب العالمية والريادة، وبتحقق، إن شاء الله، مراتب متقدمة في سُلم التقييمات العالمية؛ باستراتيجيات واضحة المعالم لما يجب أن تكون عليه مسيرتنا التربوية، وببرامج علمية متميزة، ومناهج دراسية أصيلة ومعمقة. والله ولي التوفيق