الاتفاق على نقاط الاختلاف!

{title}
أخبار الأردن -

يعقوب ناصر الدين

معظم المحللين لا يقيمون وزنا للخلافات الظاهرة على السطح بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية بشأن عمليات الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة واقتحاماته الدموية في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، وذلك نظرا لطبيعة العلاقة القائمة بين أميركا وإسرائيل، والدعم الهائل الذي تحظى به إسرائيل الآن وفي كل حين.


لكن هذه الخلافات في حد ذاتها ومهما بلغ حجمها تطور لا يمكن التقليل من شأنه إذا أخذنا في الاعتبار المأزق الذي وضعت إدارة الرئيس بايدن نفسها فيه حين أطلقت يد إسرائيل لترتكب حرب الإبادة الشنيعة على مرأى ومسمع العالم كله، وأصبحت رغما عنها مسؤولة عن البعد الأخلاقي مثلما فهم الرئيس بايدن تلك الحقيقة ولو متأخرا بعض الشيء، خاصة بعدما أفشل قرارات مجلس الأمن الدولي مرتين لفرض الهدن الإنسانية، أو الوقف الفوري لتلك الحرب!

قد لا يكون تعبير البعد الأخلاقي دقيقا لوصف أحد الدوافع لذلك الخلاف بين الجانبين، ولكن الإدارة الأميركية لا تستطيع أن تسقط من حساباتها بعض العناصر المرتبطة بصورتها ومصالحها الدولية، وهي تدرك حجم الغضب في العالم الإسلامي بشكل خاص، والعالم كله بصفة عامة، بينما تتقدم قوى أخرى مثل الصين إلى الصدارة الدولية، وتمد نفوذها الاقتصادي من خلال المشروعات الكبرى من دون حضور عسكري أو ضغوط من أي نوع، وغير ذلك كثير من العناصر الضاغطة على مستوى الداخل الأميركي، سواء ما يتعلق بحظوظ الرئيس بايدن بولاية ثانية، أو كلفة الدعم المالي والعسكري لحرب إسرائيلية تستهدف المدنيين والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، وكل ما هو محرم في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية !
في هذه المرحلة تسعى الإدارة الأميركية إلى الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي على تحديد نقاط الخلاف بينهما بشأن كيفية مواصلة تلك الحرب، آخذة في الاعتبار الحقائق على الأرض والتي يصفها مستشارون في البيت الأبيض، وفي البنتاغون بأنها ليست في صالح أي من الجانبين، وهم بالطبع يرقبون حجم الضربات التي تتلقاها قوات الاحتلال الإسرائيلي على يد المقاومة الفلسطينية، واحتمالات التصعيد على الجبهة الشمالية، وفي البحر الأحمر، فضلا عن الخلافات الحادة داخل المجتمعين السياسي والعسكري في إسرائيل، والأثر الفادح على الاقتصاد الإسرائيلي، وبعضهم يرى أنه قد حان الوقت لإنقاذ إسرائيل من نفسها !
الحديث عن ما بعد غزة، لا ينسجم عمليا مع هذا السياق، ليس من حيث أنه سابق لأوانه وحسب بل لأن الإدارة الأميركية تعرف أكثر من غيرها أن إسرائيل لم تخرج، وربما لن تخرج أبدا من عقدة السابع من أكتوبر التي حطمت الطموحات الكبيرة التي كان يتحدث عنها رئيس الورزاء نتنياهو ويتفاخر بها قبل ذلك اليوم بشأن يد إسرائيل العليا في منطقة الشرق الأوسط، وأن فكرة المستقبل ليست واردة في ذهنه الآن، فالنظام السياسي المرتبك في إسرائيل يدير شؤونه يوما بيوم، وأزمته تتفاقم ميدانيا، وفي الحكومة ومجلس الحرب وغرف العمليات، وفي الشارع أيضا حيث تشكل قضية (الرهائن) وردود أفعال ذويهم واحدة من المشكلات الضاغطة عليه ليل نهار.
من الضروري أن نتذكر دائما أن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين قد رسم هذه الصورة سلفا أمام جميع قادة العالم الذين التقى بهم، وأنه حذر من أن كل دعم لإسرائيل في طغيانها سينعكس سلبا على الجميع، وأن الشرعية الدولية، وربما النظام العالمي كله سيواجه مخاطر حقيقية إذا قبل بفرضية وجود دولة بإمكانها كسر جميع القواعد الأخلاقية والإنسانية والقانونية دون حساب، وأن السلام والأمن الإقليمي والدولي مهددان بعنجهية القوة، وغياب العقل والإرادة والضمير.
موقف الأردن واضح كل الوضوح من هذه التطورات الخطيرة، وكل ما يحدث هو من ضمن توقعاته، ومن بينها أن الإدارة الأميركية لا بد أن تعيد صياغة موقفها، وأن عليها أن توقف هذه الحرب بدل أن تتحمل مسؤولياتها وتبعاتها وآثامها!

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير