ما مآلات تصاعد خلافات أميركا و"إسرائيل"؟

{title}
أخبار الأردن -

 

كتب راكان السعايدة
إلى أي حد تستطيع أميركا فرض منطقها العسكري والسياسي على "إسرائيل"..؟ وبالتبعية، هل يمكن تقدير حجم التصادم بين المنطقين، أو إمكانية تلاقيهما عند نقطة ما..؟ والأهم، هل لأي من المنطقين فرصة تحقُّق..؟
 إجابة هذا السؤال قد تبدو للوهلة الأولى صعبة نظرًا لحجم التعقيدات والحسابات والأسس المتحكمة بقراريهما، لكن تفكيكها قد يساعد في تكوين فهم أعمق لطبيعة التناقض الذي برز بعد تصريحات رئيس أميركا وردود مسؤولين إسرائيليين عليه.
وهذا التناقض، أو الخلاف، يتركز في مسألتين هما:
أولا: الخلاف بين أميركا و"إسرائيل" على طبيعة الحرب، وانتقاد واشنطن للقصف العشوائي الذي أودى بحياة وإصابة عشرات الآلاف من أبناء غزة، فأميركا تريد تحرير الأسرى، وعمليات عسكرية جراحية لا انتقامية.
ثانيا: الخلاف بين الطرفين حول مستقبل قطاع غزة، ودور "إسرائيل" بعد الحرب، وكذلك دور السلطة الوطنية الفلسطينية، والترتيبات الأمنية والسياسية، فواشنطن لديها تصورات مختلفة عن تصورات سلطة الاحتلال.
أي أن الطرفين، الأميركي والإسرائيلي، يتفقان على "افتراض ساقط" هو تصفية حماس وذراعها العسكري، وعلى إعادة صياغة شاملة لواقع غزة، لكنهما يختلفان في طريقة وأسلوب تحقيق ذلك لأسباب ذاتية وموضوعية تخصهما.
أميركا..
تواجه الإدارة الأميركية متغيرات، داخلية وخارجية، جرّاء مواصلة دعمها غير المشروط لعدوان "إسرائيل" على القطاع، ولتقديراتها غير الدقيقة بأن جيش الاحتلال يمكنه حسم الحرب سريعا، وتحقيق أهدافها. وتجلت هذه المتغيرات في التالي:
أولًا: تنامي المواقف الداعية لوقف الحرب داخل الأدارة الأميركية، أو تلك التي تريد فرض شروط على "إسرائيل" لقاء دعمها، وهذه يتجلى بوضوح داخل البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية والكونغرس.
ثانيا: تنامي موقف الأميركيين، وبخاصة الشباب، الضاغط لوقف الحرب، وهو موقف لا يمكن للإدارة الأميركية تجاهله لأسباب سياسية، وعلى رأسها أسباب انتخابية تقف أميركا في مواجهتها العام المقبل.
ثالثًا: أخذت أميركا تفقد صورتها الأخلاقية والقيمية على مستوى العالم، والعربي والإسلامي تحديدًا، وقد نبه محللون وسفراء أميركيون لهذا ولفقدان بلدهم التأثير والمصداقية جراء موقفها مما تفعله "إسرائيل" في القطاع وعنف المستوطنين في الضفة الغربية.
ثالثًا: الخشية من تضرر مصالح أميركا بشكل عميق وكبير في الشرق الأوسط، وبالخصوص تعطُّل مشاريعها السياسية والاقتصادية التي صممتها وتعمل على إنفاذها في مواجهة الصين وروسيا خاصة إذا ما استمرت الحرب وتوسعت.
رابعًا: وهو الأهم، حسابات وتحسبات الرئيس (جو بايدن) من احتمال خسارته الانتخابات الرئاسية المقبلة أمام منافسه الجمهوري (دونالد ترمب) الذي يتفوق عليه بأربعة نقاط في أحدث استطلاعات الرأي العام.
خامسا: بالحسابات الأميركية الخاصة بـ"إسرائيل"، أخذت واشنطن تتأكد من أن الكيان خسر الرأي العام الدولي، وبدأ يفقد دعم دول غربية حليفة، ودخل مرحلة عزلة، وبات يغرق في مستقنع غزة، وهوما  لفت إليه (بايدن) عندما حذر من تكرار ما حدث لأميركا في افغانستان.
هذه المتغيرات أخذت تتنامى بشكل لافت، في وقت يشعر فيه (بايدن) وإدارته بفقدهم قدرة التأثير الحاسم على قرار (بنيامين نتانياهو) الذي اعترف بالخلاف مع أميركا، لكنه لم يعط أي إشارة تفيد أنه بصدد مراجعة عميقة لسياساته، وبما يتماهى مع ما تريده واشنطن.
"إسرائيل"..
عمليًا، وبتقييم منطقي، حسابات "إسرائيل" وأميركا وإن تماهت في بداية العدوان على قطاع غزة، فهي الآن أخذت في التباين، ولو نسبيًا.. فما حسابات "إسرائيل:
أولًا: شيئا فشيئا يبرز أن المسألة عند (نتانياهو) شخصية بحتة، وتتعلق بمستقبله السياسي، وليس بوارد وقف العدوان إلى أن يضمن نجاته من المحاسبة القضائية والسياسية على فشله في التنبؤ بالحرب وإدارتها.
ثانيًا: جيش الاحتلال لديه ثأر بعد فشله في التحسب لطوفان الأقصى يوم 7 تشرين أول، وفشله الآن في حسم المعركة، وتحقيق أي نصر، ولذلك هو أيضًا ليس بوارد وقف الحرب قبل أن يسترد كرامته وهيبته المزعومة، لكنه بالنهاية يخضع للقرار السياسي.
ثالثًا: اليمين الصهيوني المتطرف لديه مشاريعه بضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى "إسرائيل الكبرى" لذلك هو يرى في أي تراجع عن الحرب الآن وأداً لمشاريعه، وربما لمستقبله في إدارة الكيان وحكمه.
رابعًا: قناعة "إسرائيل" أن عدم تحقيق أهداف الحرب واسترداد قوة الردع سيعمق أزمة الأمن والأمان، ويجعل منها كيانًا فائضًا عن الحاجة، وفاقد لأهميته كقلعة متقدمة للغرب في الشرق الأوسط.
إن أي نظرة موضوعية للمنطقين اللذين يحكمان تفكير وقرار أميركا و"إسرائيل"، تنتهي إلى أنهما في طريقهما لمزيد من التباعد، فلكل منهما حسابات لا يمكن لأيّْ منهما القفز عنها وتجاهلها لما لها من تأثيرات عميقة ومفصلية في واقعهما السياسي.
ولأن أميركا لا يمكنها التخلي عن "إسرائيل" لأسباب معروفة (...) كما لا يمكنها التخلي عن حساباتها الذاتية، فهي تعمدت إخراج خلافها مع (نتانياهو) وحلفائه إلى العلن عبر سلسلة انتقادات قادها (بايدن) شخصيًا لعلها تستطيع إعادة تدوير الزوايا الإسرائيلية.
وكأن (بايدن) بذلك أراد أن يبدأ خطوات سياسية تأسيسية للفصل بين "إسرائيل" بوصفها حليفة وضرورة، وبين (نتانياهو) وحلفائه من اليمين المتطرف بوصفهم يضرون بـ"إسرائيل" ومستقبلها وبتحالف البلدين.
 لذلك لا يمكن فهم طلب (بايدن) من (نتانياهو) تغيير تركيبة حكومته للتخلص من اليمين الصهيوني المتطرف فيها إلاّ في سياق أن (بايدن) يريد التخلص من (نتانياهو) ذاته، لأنه ببساطة لا يمكن للأخير أن يبقى رئيسًا للحكومة إلاّ بحلفائه المتطرفين.
بمعنى أن (بايدن) يأمل في تخليص نفسه و"إسرائيل" من التحالف اليميني الذي يقود "إسرائيل" والذي يرفض علنًا مقاربة أميركا ومنطقها في شأن الحرب، بل ويتحداها ويتحدى الموقف العالمي الذي بدأ سحب الدعم الذي قدمه في البدايات.
وعندما قال (بايدن) ما قاله، فهو يدرك أن كلماته سيكون لها أثرها في المجتمع الإسرائيلي ونخبه، على نحو سيحفز المعارضة للتحرك ضد (نتانياهو) ودفعه للاستقالة وهو مطلب يتردد في الشارع الإسرائيلي خصوصا ذلك المتعاطف مع عائلات الأسرى لدى المقاومة.
فإذا ما تم إخراج (نتانياهو) من المعادلة السياسية؛ فتوقعات أميركا أنها بعد ذلك تستطيع أن تقارب بين المنطقين المتضادين بينهما الآن، وتتوافق مع قيادة جديدة لـ"إسرائيل" على تحقيق أهداف الحرب بطريقة وأسلوب مختلف عن الماثل في اللحظة الراهنة.
ولا شك أن (نتانياهو) التقط الكامن في دعوة (بايدن) لتغيير تركيبة حكومته، فجاء رده ورد حلفائه في الحكومة بأن الحرب مستمرة ولن تتوقف مهما كانت الضغوط قبل تحقيق أهدافها (...) وأكثر من ذلك اعتبارهم أن اتفاقية أوسلو كانت خطأً، ولهذه الجملة دلالات تقلق أميركا.
الأيام التي مرت على المواقف العلنية المتناقضة بين أميركا و"إسرائيل" قليلة، وكي تصبح لها ملامح واقعية قد تحتاج إلى أيام أخرى سيتضح معها ما إذا ستتطور الخلافات بصورة كبيرة أم أن (نتانياهو) وحلفاءه ومجلس الحرب غير المنسجم سيعدلون مقاربتهم للاقتراب أكثر من المقاربة الأميركية كي لا يخسروا دعمها ولقطع الطريق على المعارضة المناوئة لهم في الداخل.
ولا يستبعد أن نشهد في مقبل الأيام انسحاب (بيني غانتس وغادي أيزنكوت) من مجلس الحرب كخطوة ضاغطة على (نتانياهو) لإجابة ملاحظات أميركا وعدم إشعال الخلاف معها. 
الأهم في السياق كله، أنه وعلى رغم التجاذبات بين أميركا و"إسرائيل" التي تبدوان فيه كأنهما أصحاب القرار وبيدهما كل أمر قطاع غزة، فالحقيقة المسكوت عنها، أميركيًا وإسرائيليًا، أنهما ستهزمان في القطاع، وملامح الهزيمة بادية وليست خفية.
تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير