ورقة الأسرى.. إلى متى تبقى مهمة؟
سميح المعايطة
منذ بداية العدوان على غزة لم يكن نتنياهو معنيا بملف الأسرى المدنيين من الإسرئيليين، وكان يحاول عدم الحديث به، حتى لا يكون ملفا ضاغطا عليه على حساب هدفه في إنجاز عملية عسكرية متواصلة ودون دفع أي ثمن، لكنه في النهاية اضطر للتعامل مع هذا الملف، لأن الإدارة الأميركية ضغطت لإنجاز هدنة إنسانية تخفف من خلالها الضغط القادم من الرأي العام، وأيضا لإعطاء مساحة أكبر للمساعدات الإنسانية، إضافة إلى حرصها على الإفراج عن أسرى أميركيين وأجانب من المدنيين لدى حماس.
لكن عملية التبادل لم تكتمل لأسباب تخص حماس وإسرائيل، وعادت العمليات العسكرية والقتل والتهجير إلى أقصى جنوب غزة، لكن ما زالت ورقة الأسرى حاضرة ويمكن أن نشهد خلال أسابيع أو أكثر مفاوضات جديدة لاستكمال إطلاق الأسرى المدنيين لدى حماس وفئات ممن تعتبرهم حماس عسكريين من المتقاعدين وخاصة بعد إبداء إسرائيل استعدادا للدخول إلى مفاوضات تبادل جديدة وإن كان موقف حماس العام حتى الآن أنه لا تبادل للأسرى دون وقف الحرب، أما الذهاب إلى التبادل الشامل فهو خيار بعيد في ظل الظرف الحالي.
وورقة الأسرى نوعان: الأول ما بقي من المدنيين، والثاني الجنود والعسكريون من الإسرائيليين. وهذا هو الجزء الأهم الذي يمثل ورقة مهمة ربما ليس اليوم وإنما في المرحلة الأخيرة عندما يكون وقف العدوان وتكون المفاوضات، وهذا الجزء تريد حماس الاحتفاظ به للحصول على مكاسب سياسية أو تخص الشكل النهائي لمرحلة الحرب.
لكن تلك المرحلة المنتظرة ليست ذات معالم واضحة حتى الآن، فجيش الاحتلال حريص خلال العمليات العسكرية التي تتم الآن وخاصة في مناطق جنوب غزة على العثور على عدد من الأسرى مدنيين وعسكريين، بل ربما يكون نتنياهو يتمنى إن لم يستطع تحريرهم أن يجدهم قتلى لأنه يعلم أن ملف الأسرى وخاصة العسكريين سيكون ورقة مهمة بيد حماس سواء في عملية التبادل الشاملة، إن تمت، أو حتى في المفاوضات السياسية وشروط الاتفاق بعد وقف العدوان، لهذا فإن الحصول على الأسرى أحياء أو أموات هدف مهم للعمليات العسكرية التي تجري منذ ما بعد انتهاء الهدنة الإنسانية.
حماس تريد ملف الأسرى لهدف سياسي وهو إطلاق سراح الحد الأقصى الممكن من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهذا الأمر سيكون هدفا سياسيا وإنجازا كبيرا لأنه سيشمل أسرى من كل فئات الشعب الفلسطيني حتى من حملة جنسيات عربية، وما هو مهم بالنسبة لحماس أيضا أن عملية التبادل الشاملة التي تحتاجها إسرائيل في وقت قادم إذا ما فشلت في تحريرهم عسكريا ستكون شرطا لوقف العدوان وهذا ما تعلنه حماس منذ زمن، ولهذا فملف الأسرى مهم ومكان وجودهم والحفاظ على حياتهم مهم جدا لحماس، وربما يكونون قريبين من أماكن وجود القيادة العسكرية للحركة، فالتبادل سيكون إنجازا سياسيا ضخما خاصة إذا كان مقابل الإفراج عن كل معتقل في سجون الاحتلال، بل ربما يكون التبادل له اثمان تخص قيادة الحركة وحياتهم في غزة.
قوات الاحتلال تقاتل لهدفين: الأول العثور على أي أسير إسرائيلي مدني أو عسكري، وضرب البنية العسكرية لحركة حماس. ومقاتلو حماس يقاتلون من أجل إيقاع الخسائر في صفوف الاحتلال، وأيضا للحفاظ على الأسرى الكنز السياسي الذي ستحتاجه الحركة في المراحل اللاحقة وقد يحقق لها أهدافا ستظهر مع تطورات العمليات العسكرية في الميدان.
لكن ما هو مؤكد أن إسرائيل تريد أن تفقد حماس ورقة الأسرى وأن تصل في نهاية العمليات العسكرية إلى واقع تكون قد حصلت فيه على أسراها أو معظمهم أو أن يكونوا قد قتلوا في القصف والقتال أو أن يكون العدد قليلا بحيث لا تكون ورقة ضغط سياسية، لكن ما سيحدد قيمة ورقة الأسرى هو الميدان وما سيكون عليه الواقع العسكري في اللحظة التي يتم فيها وقف العدوان أو عندما تنجح الوساطات في الاتفاق على صفقة تبادل جديدة.