حتى تكسرت النصال على النصال
سائد كراجة
تدحرج هدف إسرائيل في الحرب، من سُعار الانتقام واستعادة لقب أقوى دولة في المنطقة، إلى هدف تهجير الغزيين لمصر، ودائما وأبدا تحت شعار اجتثاث حماس وتسويق حربها عليها دوليا بحجة «محاربة الإرهاب الإسلامي» وهو الهوس الذي يعيش عليه منذ عقود اليمين الأوروبي والأميركي.
وبعدما فشلت محاولات التهجير بالتراضي مع مصر،- التي نأمل أن تصمد أمام إغراءات المال والمساعدات الاقتصادية-، تبنت إسرائيل إستراتيجية إعدام كل مقومات الحياة في غزة على أملين؛ أن يثور أهل غزة على حماس، وينزعوا الغطاء الشعبي عنها، و/أو أن يتدافع أهل غزة لتجاوز الحدود إلى مصر؛ بسبب أوضاع ليست تهدد حياتهم فقط، بل تهدد كرامتهم الإنسانية بغياب مقومات الحياة الصحية والإنسانية بأبسط أشكالها وهو ما يطلق عليه التهجير الإنساني.
التهجير الإنساني ممكن ان يتم اثناء العدوان أو بعد وقفه، وهو بطبيعته مبرر مقبول من الناحية القانونية والعاطفية؛ ولهذا فإنه أيضا فعال لتبرير التراجع عن مواقف رفض التهجير إلى قبوله تحت ذريعة إنقاذ أهل غزة أو ما تبقى منهم، خاصة أن غزة اليوم مدينة طاردة للسكان، حيث تدمرت بنيتها التحتية وانعدمت إلى حد كبير مستلزمات الحياة فيها!
وسيلة التهجير الإنساني هذا هو القصف المتعمد للمدنيين، وهو ما فظع فيه جيش الاحتلال، فبعض التقارير والمعلومات المسربة تشير أن خسائر حماس منذ بدء الحرب لا تتعدى 15 % من «جيشها»، وبغض النظر عن هذه النسبة فإنه وبعد (68) يوماً من الحرب فإن جيش الاحتلال الصهيوني وجيش الاستعمار الأميركي، بمساندة من قوات الانتداب البريطاني فشلوا في وقف حماس حيث مقاومتها ما تزال مستمرة في الأرض وفي السماء.
وعليه، وفي ظل حكومة مستوطنين عنصريين إرهابيين عقلا وممارسة، فإن قوة النار هو ما بقي لنتنياهو ليؤخر مغادرته المشهد، ويتفادى استئناف محاكمته، بعد أن ورط أميركا معه في حرب أطول مما توقعت، فلا هي قادرة على التراجع عن دعمه ولا هو قادر على حسم المعركة.
الشعب الفلسطيني في غزة بقدرته على تلقي الفاجعة بقلب صابر أو لعله بقلب خدر، كأنه يردد بيت المتنبي « إِذا أَصابَتني سِهامٌ تَكَسَّرَتِ النِصالُ عَلى النِصالِ»، الشعب الفلسطيني وبأشلاء أطفاله وقتلهم الذي يبث مباشرة للعالم، هو الجيش الحقيقي على الأرض، هذا الشعب العظيم الذي أعاد بمعاناته التي تعدت حدود قدرات البشر تعريف الإنسانية لتكون معاييرها غزية.
هذا الشعب حقق للقضية الفلسطينية إنجازات عجزت عنها منظمات التحرير وأنظمة التبرير، فقد ذكر العالم أن الاحتلال هو سبب الصراع وأن الاحتلال لم يبدأ في 7/10 وأن الفلسطيني المقاوم يحمل شرعية أخلاقية وقانونية وسياسية باعتبار المقاومة كل أشكال المقاومة مشروعة دولياً، وأن المحتل لا يملك حق الدفاع عن النفس باعتباره معتدي يحق للعالم وللشعب المحتل ردعه وقتاله، وإن محتليه وقادة الاحتلال ذاهبون لمحاكمات دولية عن جرائم حرب وإبادة جماعية.
هذا الشعب الفلسطيني بنى مع الشعوب الحرة شبكة عربية عالمية جديدة لمحاربة الاستعمار الأوروبي والأميركي في المنطقة، وأعاد أجيالاً كانت قد هَجرت او هُجرت عن القضية الفلسطينية لتهتف فلسطين من البحر إلى النهر حرة.
هذا الشعب يستحق مضاعفة الجهود لوقف معاناته، فلم يعد مقبولا العجز عن وقف الحرب، وقد أزف الوقت لأن يتوج الأردن موقفه المشرف قيادة وشعبا وحكومة، بمبادرة سياسية لوقف الحرب ومنع التهجير ووقف معاناة ومأساة الفلسطينيين، فإلى جانب الجهد الدبلوماسي الذي ينفذه الوزير الجسور أيمن الصفدي فإن الأردن في اعتقادي جاهز للبناء على جهود جلالة الملك لطرح مبادرة سياسية تضمن مع ساعة وقف الحرب والبدء بإعمار غزة، تبادلا للأسرى واستعادة الوحدة الوطنية بمصالحة وطنية وتجديد قيادات المنظمة بانتخابات حرة ديمقراطية تمهيدا لمشروع سياسي يؤدي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، فإن هذه المطالب التي حاول قتلها التطبيع المجاني صارت بفعل المقاومة أمرا قابلا للتحقيق أكثر من أي وقت مضى. وقف الحرب أولوية ولا وقف للحرب دون تقديم مشروع سياسي، هذا هو درس التاريخ المستمد من الحروب وأنت الأعلم جنابك!