زادتهم صدمة طوفان الأقصى ضلالا وجنونا
حسني عايش
في مقال مخيف للصحفي الاسرائيلي روغل الفر في جريدة هارتس الاسرائيلية في 27/11/2023 وفي جريدة الغد الغراء في اليوم التالي قرأنا أن حل الدولتين انتهى في الأعماق التي يدفنون النفايات المشعة فيها، وأن تغيراً جذرياً نحو اليمين صار يهيمن على اسرائيل أي على اليسار أيضاً، وأن حماس تساوي غزة وتساوي كل الفلسطينيين، بمعنى أنه بموجب هذه المعادلة يستحق جميع الفلسطينيين الموت دون تمييز بين الأعمار والجنسين.
ويضيف: “إن الخوف الكارثي في اسرائيل تعزز بهذا الطوفان، أي أن القلق الوجودي، اشتد نتيجة له، وتصاعد باللاسامية التي تغذيه وأصبح مزاجاً وجودياً. كما أدى إلى تعزيز الشعور عند اليهود في اسرائيل بأنهم على حق بالأحقية بالأرض”.
ويدعو اليهود إلى التشبه بالنمطية العربية المتماهية مع الكرامة والقوة والانتصار في الرواية الجديدة بعد الصدمة. ويطالب اليهود في اسرائيل بالتخلي عن رؤية اسرائيل كفيلا في غابة، وأنها يجب أن تتحول إلى غابة، وأن تتصرف حسب قواعد الغابة، بعدما صار اليهود في اسرائيل يخافون من يحيى السنوار أكثر من أي شيء آخر. لقد ولّد الطوفان عندهم الانطباع أن جميع الفلسطينيين يريدون ذبح جميع اليهود، وانه بناء على ذلك يجب على اليهود أن يسبقوهم وأن يذبحوا جميع الفلسطينيين، بما في ذلك تأييد إرهاب المستوطنين للفلسطينيين لهم.
يخرب بيت هؤلاء الصحفيين والسياسيين اليهود الذين يفكرون هكذا، لأنهم لا يتذكرون بل ولا يخطر على بالهم مصدر أو أصل الصراع أو العداء الفلسطيني الاسرائيلي، وهو غزوهم لفلسطين واغتصابهم لها وتشريدهم لشعبها لأكثر من خمسة وسبعين سنة في مخيمات بائسة وتعيسة يرونها بعيونهم يومياً داخل فلسطين وصورتها خارجها، ومع هذا يواصلون البطش فيهم، واغتصاب ما بقي من أرض لهم في وطنهم في فلسطين، الذي فيه هم يعيشون.
يتذكرون السبي البابلي والهولوكست وينسون النكبة والكارثة الفلسطينيين اللتين تسببوا بهما، ويستكثرون على الفلسطينيين تذكرهما على قربهما واستمرارهما.
أحرام على بلابله الدوح حلال لليهود من كل قطر؟
لقد أنساهم التعليم المدرسي والجامعي والاعلامي المؤدلج بالصهيونية واللاسامية والهولوكست التاريخ والحقيقة، وجعلهم عُمياً بكماً صماً عن النكبة والكارثة التي أغرقوا الشعب الفلسطيني فيهما مع أنهما أمامهم. وقد بلغ انكارهما عندهم أن صدمة طوفان الأقصى لم توقظهم من سباتهم العميق، بل زادتهم ضلالاً وجنوناً وإلا لأقدموا على الدخول في مفاوضات تصالح مع الشعب الفلسطيني ينهي الصراع والموت المتبادل ولكن غير المتكافئ، في إطار دولة ديمقراطية واحدة للجميع، فعندئذ يزول قلقهم الوجودي ويعيشون في وئام وسلام. ألم يضع الشباب الفلسطيني الزهور والورود على الدبابات الاسرائيلية في أيام رابين عندما رأوا بصيصاً من النور يبدو في نهاية النفق؟
يبدو أن الفلسطينيين بشر أرقى إنسانياً من اليهود الصهاينة في كل شيء. إنهم يمدون أيديهم إلى السلام العادل، وهم يرفضون، لتجذر الفكر التوراتي والصهيوني في عقولهم فلا يجرأون على النزول عن العلّيقة. إنهم يصرون على العيش في مستوى سبعة نجوم في فلسطين، وعلى إبقاء من عندهم من الفلسطينيين مجرد خدم وعمالة رخيصة مع حرمانهم من العيش بمستوى نجمة واحدة. وعندما يذكرهم واحد/ة بالمفارقة يتهمونه باللاسامية.
أفيقوا أيها الناس المعوقون سياسياً وأخلاقياً قبل فوات الأوان، وإلا فإن الصراع قد لا ينتهي في صالحكم، فقد تم القضاء على الصلبيين بعد مائتي سنة من الصراع مع أنهم أقاموا دولاً وممالكاً واغتصبوا الأرض وفتكوا بالناس أصحابها. لم يظنوا يوماً في حينه انهم سيفقدون كل شيء. كما طُرد العرب المسلمون من الأندلس التي كانوا يحتلونها، بعد ثمانمائة سنة على الرغم من الحرية والعدالة والتقدم التي فتحوا بها البلاد وواصلوها طيلة تلك المدة. أما أنتم فلا تقدمون لشعب فلسطين شيئاً سوى الموت والتدمير والتهجير، فكيف تقنعون أنفسكم بالممكن والمحتمل بالنجاة من هذا المصير؟
هل تعتقدون أن التعصب والكراهية والأبارثيدية والقوة.. كافية لضمان ما أنتم فيه؟! وإلا لظهر بينكم عاقل سياسي واحد مثل ديكليرك في جنوب أفريقيا. وبغيابه تهددون جيلكم الأخير بالنفي ثانية من فلسطين نتيجة الغرور.
*****************
صرّح يعقوب شاريت – ابن موسى شاريت رئيس وزراء إسرائيل الأسبق – الذي قضى معظم حياته في شين فين وهو الجهاز الخاص المكلف بشكل أساسي لقمع الفلسطينيين في أيلول سنة 2021 لصحيفة هارتس قائلاً: “ولدت إسرائيل في الخطيئة. لقد عملت لبلد مجرم. وأضاف: أنه اصبح بصفة نهائية مناهضاً للصهيونية” (سيلفان سيبيل: جريدة الغد في 26/11/2023)