في عامها الـ75.. حقوق الإنسان تكشف أزمة الذين يدعون حراستها
أحمد عوض
فيما يحتفل العالم بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/كانون الأول 2023، وجد ذاته يتصارع مع أزمة كبيرة في إطار عالم حقوق الإنسان، من حيث الالتزام والتفسير من قِبل القوى العالمية المؤثرة.
وفي قلب هذه المعضلة يبرز الانقسام الصارخ بين شمولية وعالمية حقوق الإنسان وبين إنفاذها الانتقائي. والوضع المستمر في فلسطين منذ عقود، حيث تُنتهك الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني باستمرار في ظل الاحتلال الإسرائيلي، هو مثال صارخ على هذه المعضلة.
وعلى الرغم من الاستنكار الدولي والعالمي في جميع أنحاء العالم، لما يجري في قطاع غزة، ظلت الدول الغربية المؤثرة صامتة إلى حد كبير، وبعضها أصبح شريكا لإسرائيل، حيث قدمت الدعم السياسي والمادي والعسكري لمواصلة مذابحها ضد الفلسطينيين.
ويمتد هذا الدعم إلى التغاضي عن جرائم الحرب والمجازر التي ترتكب ضد الفلسطينيين في غزة، الذين يقاومون الاحتلال سعياً إلى نيل حقهم في تقرير المصير، وهو الحق المنصوص عليه في مبادئ حقوق الإنسان ذاتها التي تزعم هذه الدول الغربية أنها تتمسك بها.
إن الموقف الغربي الرسمي الأخير حيال بشاعة جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة يفضح المزيد من النفاق. إذ أظهر العديد من السياسيين الغربيين، الذين يدافعون بصوت عالٍ عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، افتقاراً صارخاً للالتزام بهذه المُثُل. وكشفت أفعالهم عدم الالتزام بمبادئ الشمولية والعالمية التي تشكل حجر الأساس لنظام حقوق الإنسان.
ترتكز حقوق الإنسان، بحكم تعريفها، على الاعتراف والاحترام متعدد الأبعاد لكرامة الإنسان. وهي تشمل طائفة واسعة الحقوق؛ من الحق الأساسي في الحياة إلى الحقوق المرتبطة بالتنمية، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية. ومع ذلك، فإن الموقف السائد في الدول الغربية ذات النفوذ يشير إلى نهج مشروط في التعامل مع هذه الحقوق، وهو النهج الذي يتوقف على ما إذا كانت هذه الحقوق تتماشى مع مصالحها الجيوسياسية.
ويمكن إرجاع جذور هذا الموقف إلى العقلية الاستعمارية التي نظرت تاريخياً إلى استغلال الشعوب غير الغربية كوسيلة لتعزيز المصالح الاقتصادية الغربية. ويبدو أن هذه العقلية ما تزال قائمة في الطريقة التي يجري فيها التعامل مع حقوق الإنسان اليوم، حيث تعتبر حقوق الأشخاص غير الغربيين في كثير من الأحيان ثانوية أو حتى يمكن الاستغناء عنها.
آثار ازدواجية المعايير في التعامل مع منظومة حقوق الإنسان، لم تؤد فقط إلى تراجع احترام دول العالم لهذه المبادئ، بل قوّض، وسيقوض، بشكل كبير مصداقية هذه الدول في التعامل مع قضايا التنمية المختلفة على المستوى العالمي. ويضرب عرض الحائط كل الخطط والمشاريع المشتركة مع دول الجنوب، وعلاقات التعاون التي تم العمل عليها خلال العقود الماضية.
الاعتقاد بأن تقديم المساعدات الإنسانية لضحايا جرائم الحرب والمجازر، في الوقت الذي يستمر دعم ارتكابها، يعبر عن احترام حقوق الإنسان، هو تعبير عن ذات الرؤية الاستعلائية المتغطرسة تجاه الشعوب غير الغربية، ويطلق عليه «تخويث».
إن نظام حقوق الإنسان ليس اختراعاً غربياً، كما أنه ليس حكراً عليهم وحدهم. إنما هو تتويج للمبادئ والقيم والعادات العالمية، التي تشكلت بشكل كبير من خلال مساهمات الحضارات العربية الإسلامية والمسيحية. وبالتالي، هناك حاجة ماسة لهذه الحضارات، جنبا إلى جنب مع غيرها في جميع أنحاء العالم، لاستعادة السرد والتأكد بأن حقوق الإنسان عالمية حقا وليست مجرد أداة في ترسانة الدول القوية.
التواطؤ الغربي الأخير في مواجهة الفظائع الإسرائيلية لا يكشف فقط عن غطرسة عميقة وعقدةِ تفوُّقٍ تجاه الشعوب غير الغربية، بل يسلط الضوء أيضاً على أزمة أساسية في النهج الغربي تجاه حقوق الإنسان. وهي ليست أزمة نظام حقوق الإنسان نفسه، بل أزمة أولئك الذين يدّعون أنهم حراسه.
عندما نتأمل مرور 75 عاماً على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يتّضح بشكل متزايد أن مبادئ حقوق الإنسان تظل منارة لأولئك الذين يسعَون إلى العدالة والمساواة والسلام. ومع ذلك، فإن القوى الغربية الكبرى، التي كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها بطلة هذه الحقوق، فشلت في واجبها بدعمها.