لماذا قدمت السعودية عرضاً لإيران "الاستثمار مقابل وقف دعم الميليشيات"؟

{title}
أخبار الأردن -

عمر الرداد (كاتب أردني)

تتواتر تسريبات إعلامية تستند لما تصفه بمصادر معلومات سرية، من بينها ما نشرته وكالة (بلومبرغ) حول عرض قدمته المملكة العربية السعودية للقيادة الإيرانية، فيما يمكن وصفه بصفقة جديدة، تتضمن تعزيز التعاون والاستثمار الاقتصادي السعودي في إيران، مقابل قيام طهران بمنع وكلائها الإقليميين من توسيع الصراع الدائر حالياً بين إسرائيل وحماس في غزة، ووفقاً لهذه التسريبات، فقد تم تقديم العرض السعودي بشكل مباشر، وعبر قنوات متعددة، ومن بينها اللقاء الذي جمع بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش القمة العربية الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في الرياض الشهر الماضي.

ورغم أنّ المصادر الرسمية في الرياض وطهران لم تُعلق على هذه التسريبات وحقيقة العرض السعودي، إلا أنّ مثل هذه التسريبات تكتسب قدراً من المصداقية في ظل السياقات التي أنتجها اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، والذي أعلن بوساطة صينية وتم توقيعه في بكين في آذار (مارس) الماضي، إذ رغم العراقيل التي ما تزال قائمة بين طهران والرياض، بما فيها "التحرش" الذي يمارسه الحرس الثوري الإيراني ووكلاؤه في الخليج والعراق وسوريا، إلا أنّ الواضح هو أنّ الرياض تواصل بناء مواقفها وسياساتها في إطار تنفيذ استراتيجيتها المتضمنة وقف التصعيد مع إيران، وهو ما لم تحققه إيران عبر تبديد مخاوف سعودية وعربية بشأن دعم إيران للجماعات المسلحة في الدول العربية، لا سيّما بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

العرض السعودي في جوهره ربما لا يكون جديداً، فقد تواترت تأكيدات سعودية قبل المصالحة مع طهران وبعدها بضرورة استبدال العداء والصراع مع طهران بتعاون وتنسيق، لا سيّما في مجالات الاستثمار، وبما ينعكس بالفائدة على شعوب المنطقة، بمن فيهم الشعوب الإيرانية، خاصة أنّ لدى السعودية ودول الخليج إمكانيات وقدرات على الاستثمار في إيران، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الإيراني الذي تؤكد إحصاءات إيرانية رسمية أنّه يعاني أزمات عميقة، عناوينها ازدياد معدلات التضخم والبطالة وارتفاع مستويات الفقر.

ومع ذلك، فإنّ سياقات العرض السعودي من قِبَل ولي العهد السعودي على الرئيس الإيراني مباشرة، خلال لقائهما على هامش اجتماعات القمة العربية والإسلامية في الرياض، والتي انعقدت بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية، تشي بالتقاط القيادة السعودية للرسائل الإيرانية غير المشفرة تجاه حرب غزة، من حيث دور إيران في هذه الحرب ودعمها لحماس والجهاد الإسلامي، وإعلاناتها المتكررة على لسان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بأنّ إيران لم تكن على علم بالعملية، ولم تشارك فيها لا تخطيطاً ولا تنفيذاً، وهو ما أكدته واشنطن وعواصم أوروبية، وما تردد بعده من تسريبات حول صفقة بين واشنطن وطهران تضمنت قيام طهران بضبط وكلائها والحيلولة دون توسع الحرب خارج قطاع غزة، وتحولها بالتالي إلى حرب إقليمية، وبالمقابل تحصل إيران على مليارات من الدولارات التي تم الإفراج عنها في البنوك العراقية، وأموال الصفقة التي أنجزت بين طهران وواشنطن حول تبادل المحتجزين بوساطة قطرية.

ورغم كل ما يمكن أن يقال عن الموقف الإيراني البراغماتي الذي نجح في قطف ثمار عملية "طوفان الأقصى" قبل أن تضع الحرب أوزارها، فإنّ الرياض بهذا العرض، بالإضافة إلى انسجامها مع مواقف القوى الدولية، وخاصة واشنطن والعواصم الأوروبية، تدرك أكثر من العواصم الغربية المقاربات الاستراتيجية للقيادة الإيرانية وجوهرها عقد صفقات سرية أو علنية، وهو ما اجترحته الرياض وبصورة مباشرة بعرض الاستثمار داخل إيران، مقابل وقف دعم طهران للميليشيات التابعة لها، وليس من المبالغة القول إنّ العلاقة بين روسيا والصين وإيران يتم بناؤها بمرجعية الصفقات والمصالح المتبادلة والمشتركة.

تدرك الرياض أكثر من العواصم الغربية المقاربات الاستراتيجية للقيادة الإيرانية وجوهرها عقد صفقات سرية أو علنية

بالإضافة إلى التحولات التي شهدها الموقف الإيراني في عناوين دعم الوكلاء في المنطقة، من وحدة ساحات المقاومة إلى التضامن بين الساحات، فإنّ ما يجدر الالتفات إليه والتوقف عنده هو الموقف الإيراني خلال القمة العربية الإسلامية، فقد تضمن البيان الختامي للقمة مواقف جديدة، وافقت عليها إيران، كانت إلى فترة قريبة تُعدّ من المحرمات في المقاربات الإيرانية، من بينها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وهو ما يخرج حماس والجهاد الإسلامي من هذا الاعتراف، والمطالبة بالدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران (يونيو) عام 1967، وهو ما يعني الاعتراف بإسرائيل.

وفي الخلاصة؛ فإنّه رغم تعدد سيناريوهات الردود الإيرانية على العرض السعودي، ما بين الرفض وهو سيناريو مستبعد، أو القبول بشروط جديدة، إلا أنّ المرجح هو أنّ القيادة الإيرانية لن تردّ بشكل معلن على العرض السعودي، لكنّها في الوقت نفسه لن تفوّت الفرصة بالتعاطي معه في إطار مفاوضات سرية تتطلع من ورائها لانتزاع مزيد من المكاسب والضمانات الخاصة بأمنها القومي من جهة ودورها الإقليمي من جهة أخرى، وهو ما يعني أنّ الموقف الإيراني تجاه حرب غزة قابل للتكرار عبر مفاوضات في مناطق نزاعات لإيران أدوار فيها مثل العراق وسوريا ولبنان بالإضافة إلى اليمن، مع الأخذ بعين الاعتبار أولويات القيادة الإيرانية وترتيب هذه الساحات من حيث أهميتها بالنسبة إلى طهران.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير