الاخبار العاجلة
كي لا يصبح الناقل الوطني مشروع عطارات آخر: لنتريث ونراجع السياسة المائية جذريا

كي لا يصبح الناقل الوطني مشروع عطارات آخر: لنتريث ونراجع السياسة المائية جذريا

جواد عباسي 

لا خلاف أن الواقع المائي الأردني حرج جدا وكلنا شهود على مشاكل التزويد المائي خصوصا في الصيف. ولهذا يتحمس الكثيرون لموضوع تحلية مياه البحر الأحمر ونقلها للمدن عبر ناقل مياه وطني بقدرة تصل إلى 300 مليون متر مكعب سنويا. 


كلفة الناقل الوطني هائلة تصل إلى 2.5 مليار دينار ككلفة رأسمالية. تمويلها بالقروض أو الاستثمار المباشر يعني كلفة سنوية للتمويل بحدود الـ 200 إلى 300 مليون دينار سنويا. وستحتاج محطة التحلية والضخ إلى أكثر من مليار كيلو/ وات/ ساعة من الكهرباء، كلفتها لو أتت كلها من الطاقة الشمسية ستكون أكثر من 25 مليون دينار أردني سنويا. ولو أتت من الغاز ستكون بحدود 60 مليون دينار سنويا. وعليه مع باقي المصاريف التشغيلية فان كلفة المتر المكعب من المياه المحلاة ستكون بحدود دينار ونصف الى دينارين للمتر المكعب. وسنكون وقتها بين خيارين: بيع المياه بكلفتها الحقيقية مما يعني كلفة عالية يتحملها المواطنون او بيعها بسعر مدعوم وبهذا يزيد العجز والدين العام سنويا. 
هناك أيضا كلفة بيئية عالية تتمثل بإعادة ضخ حوالي 450 مليون متر مكعب سنويا من المياه شديدة الملوحة الى البحر الأحمر هي نتاج عملية التحلية مما سيؤثر سلبا على الحياة المائية في خليج العقبة. 
ما الحل إذن؟ سيقول الداعون للمشروع إنه مشروع حيوي ولا مجال إلا أن نتحمل هذه الكلفة العالية. وهنا نقول لنترو قليلا قبل توقيع اتفاقية الناقل الوطني ونفحص السياسات الزراعية والمائية حاليا ونتائجها على أمن تزويد المياه الوطني. 
في السياسات المائية لا زلنا نتعامل برقة وحنان مع مشكلة الفاقد المائي. بحسب التقرير السنوي لوزارة المياه فان فاقد المياه في عمان لوحدها يصل إلى 40 % متجاوزا ثمانين مليون متر مكعب سنويا. والوزارة تقر بان 70 % من فاقد المياه بالأردن سببه السرقات والتي تشمل اعتداءات كبيرة على الخطوط الرئيسة ومنها الديسي لتعبئة الصهاريج ومن ثم بيعها للمواطنين. هنا قد تنطبق قاعدة الـ 80 و 20 على الفاقد: بحيث يمكن افتراض أن 80 % من حجم السرقات مسؤول عنه 20 % من السارقين. وهنا يجب تغليظ عقوبات السرقة وخصوصا التي تكون على الخطوط الرئيسة بكميات كبيرة بحيث تصنف كجناية وتكون عقوباتها السجن والغرامات المالية العالية. ولنتذكر ان خط الديسي أصبح صيدا دسما للسارقين وعليه يجب ان نتوقع سرقات أكبر إذا أقمنا الناقل الوطني بدون معالجة جذرية لملف سرقات المياه من الخطوط الرئيسة. 
زراعيا يعفي الأردن الصادرات الزراعية من أي رسوم او ضرائب فيما يفرض رسوما عالية على المنتوج الزراعي الذاهب للاستهلاك المحلي. فنحن في الواقع نصدر المياه المدعومة النادرة بأدنى من كلفتها الحقيقية تحت بند التصدير الزراعي، وأي فحص موضوعي للقيمة المضافة من الصادرات الزراعية سيبين أن لا قيمة مضافة كبيرة لها. فالقطاع تغلب عليه العمالة الوافدة بأجور قليلة ويصرف مياها كثيرة مدعومة وكهرباء مدعومة وكل هذا يبدد أي قيمة مضافة من التصدير. فالتصدير الزراعي في الأردن في الواقع يخصم القيمة من الاقتصاد لدعم أرباح المصدرين. 
المطلوب تغيير هذه السياسة الضريبية بحيث نعفي الإنتاج المحلي من كافة الرسوم والضرائب وبالمقابل نفرض على تصدير الزراعات المروية رسوما تساوي على الأقل كلفة دعم المياه المستخدمة في هذه الزراعات. ونبقي الإعفاء من الضرائب والرسوم للزراعات التصديرية البعلية. هذا سيساهم في تحسين دخل صغار المزارعين وتحسين هامش ربح التجار وتخفيض كلفة المنتوجات على المواطن. 
ولأن الزراعة تستهلك أكثر من مليار متر مكعب من المياه سنويا فان تعديل هذه السياسات الضريبية سيساهم حتما في تحول المزارعين إلى محاصيل تصديرية أقل استهلاكا للمياه أو التوقف عن زراعة محاصيل لا قيمة مضافة حقيقية لها. وعلى فرض انخفاض حصة الزراعة من المياه بنسبة 5 % هذا يوفر 50 مليون متر مكعب من المياه كنا نصدرهم بسعر بخس تحت مسمى تصدير البندورة. 
زراعيا كذلك يجب التوقف عن فرض الحماية الجمركية أو الإغلاقية للمنتجات ذات الاستهلاك العالي جدا من الماء كالموز. هذا لوحده سيوفر عشرات الملايين من الأمتار المكعبة من المياه تذهب لزراعة محاصيل لا جدوى لها.
كذلك فإن حصاد ماء المطر مهم جدا في توفير المياه النادرة وتخفيف مشاكل فيضان المدن وربما يكون صرف الأموال في مشاريع الحصاد المائي على مستوى المدن والقرى أجدى كثيرا من ناحية اقتصادية مع تقليل مشاكل فيضانات الشوارع المتكررة. فوطننا يستقبل أمطارا وفيرة سنويا نستطيع بسهولة نسبية وبكلفة قليلة حصاد الكثير منها على مستوى المنازل والبلدات والمدن. 
هل هذا يعني أن نقفل ملف تحلية المياه تماما؟ ربما لا. فلا ضير من بقاء التفكير بتحلية مياه البحر لكن بأسلوب يكون فيه ترخيص هذه المرافق للقطاع الخاص وبدون أي ضمانة حكومية او تمويل حكومي. ويكون الطلب على هذه المياه المحلاة من قطاعات ليست أساسية كالمرافق السياحية مثل ملاعب الجولف والفنادق وغيرها. بحيث تسعر المياه الحكومية لها بسعر عال يجعلها تميل الى شراء المياه المحلاة من مشاريع تحلية صغيرة نسبيا تقوم بتوزيع انتاجها الى المشاريع السياحية في مدينة العقبة ووادي رم والبترا وغيرها. أما تلك الـ 300 مليون متر مكعب من الناقل الوطني التي ستحتاج مليارات لتصل الى عمان والزرقاء فلدينا طرق أسهل وأرخص كثيرا لتوفير ذات الكمية وأكثر.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).