الحرب والمناخ
يعقوب ناصر الدين
بالتزامن مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في دبي استأنف الاحتلال الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة بعد هدنة عسيرة لعدة أيام تكشف خلالها حجم القتل والدمار الذي تعرض له القطاع على مدى خمسين يوما من قصف أحياء بأكملها، وتدمير للبنية التحتية وما عليها من مستشفيات ومدارس ومرافق، فضلا عن البيئة بجميع مكوناتها من تلوث للهواء والماء والغذاء نتيجة إسقاط ما يعادل قنبلتين نوويتين من المتفجرات.
ورغم أن المؤتمر الذي شارك فيه عدد كبير من قادة العالم مخصص للنظر في الجهود الدولية المشتركة لحماية المناخ من مخاطر حقيقية إلا أن جلالة الملك عبدالله الثاني أراد أن يلفت انتباه المؤتمر إلى أنه ليس بالإمكان الحديث عن التغير المناخي بمعزل عن المآسي الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون، والتهديدات المباشرة التي تطال حياتهم.
لقد وضع جلالة الملك المؤتمر أمام معادلة العلاقة بين الحرب والمناخ ، وربما يكون هو الزعيم الوحيد الذي أخذ هذا المنحى من أجل أن يذكر الجميع بمسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية تجاه حرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة، واستطاع أن يضع مقاربة مشهودة وملموسة على أرض الواقع، عندما أكد أن تهجير الفلسطينيين من بيوتهم خلال هذه الحرب، وقتل وجرح عشرات الآلاف منهم ، وأن الدمار الذي تخلفه الحروب يزيد من شدة المخاطر البيئية.
مرة أخرى يربط جلالة الملك بين مآسي الحروب واللجوء وتفشي الأمراض بسبب المياه الملوثة وانعدام الغذاء وبين ما يجري في قطاع غزة وما يبذله الأردن من جهود مباشرة أو بالتعاون مع المنظمات الدولية لتوفير الغذاء لأهالي غزة، إلى جانب الجهود التي يبذلها لوقف ذلك العدوان الذي ينتهك كل القوانين والأعراف الدولية، وينتهك حتى الأمن البيئي وجميع الحقوق الإنسانية الأخرى، مذكرا بضرورة التعامل بشكل شمولي مع تحديات المناخ، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة، ومنهم الفلسطينيون الذين تأثروا بشكل كبير بالحرب على غزة، والمجتمعات التي تعاني من الأزمات والفقر حول العالم.
استعرض جلالة الملك مساهمة الأردن في مجال العمل المناخي، وما يبذله من جهود للتخفيف من أثر التغير المناخي عليه، ولحل مشكلة شح المياه من خلال مشروع الناقل الوطني للمياه وتطوير مصادر الطاقة الآمنة، ومجالات الزراعة الذكية مما يجعل الأردن مثالا يحتذى في المنطقة، كرائد في هذا المجال، ليؤكد من جديد أهمية التعاون الدولي لمواجهة التحديات البيئية، ومنها ما هو مرتبط بالحرب الإسرائيلية على غزة، وبقضايا اللاجئين التي تبلغ نسبتهم في الأردن حوالي ثلث السكان.
ولا ينهي جلالة الملك خطابه التاريخي من حيث التوقيت المرتبط بغزة، وبمسؤولية المجتمع الدولي وواجبه لوضع حد لتلك الحرب الظالمة من دون أن يخاطب الضمائر مثلما خاطب العقول، فيوجه رسالته بصورة مباشرة قائلا «لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي، بينما الدمار الهائل الناجم عن حرب قاسية في غزة يهدد المزيد من الضحايا، ويعيق التقدم نحو مستقبل أفضل للعالم، فالأجيال الحالية والقادمة ستقوم بمحاسبتنا» فتلك الرسالة تصدر بطبيعة الحال عن قائد استثنائي تسكن غزة وقضية الشعب الفلسطيني العادلة في ضميره، ولذلك فهو الأقدر دائما، وفي كل مناسبة على مخاطبة الضمائر لتنتصر للحق والخير والسلام.