العدوان على غزّة والوعي اللغوي

{title}
أخبار الأردن -

د. صلاح جرّار

اللغة أداة مهمّة وخطيرة في الحروب، فمفرداتها ومصطلحاتها تعبّر عن المواقف والأهداف والطموحات كما تعبّر عن الحالات النفسية التي يمرّ بها المتحاربون من أمل أو يأس أو فرحٍ أو إحباط، كما أنّها مسؤولة عن المحافظة على معنويات المحاربين، ولكنّ أخطر ما فيها أنّها تجترح مصطلحات ذات دلالات وأبعاد ومفاهيم سلبيّة أو إيجابية، وأنّ هذه المصطلحات متى استقرّت على ألسنة الناس وفي عقولهم فإنّها كفيلة بتوجيه مواقفهم وأفكارهم وقناعاتهم.

وقد حاول الإعلام الصهيوني والغربي بثّ مصطلحات لها دلالات مشبوهة وتعبّر عن مواقف سياسية مشبوهة أيضاً، وقد تسرّب كثير من هذه المصطلحات إلى وسائل الإعلام العربيّة ومن ثمّ إلى ألسنة الناس من غير أن يتوقّفوا عند دلالاتها ومعانيها البعيدة.

ومن هنا فإنّ ممّا لا بدّ منه في غمرة العدوان الصهيوني الغاشم على غزّة والضفّة الغربية وفي ضوء التواطؤ الإعلامي الأميركي والغربيّ ضدّ الفلسطينيين أن يتنبه الإعلاميون العرب والمواطنون الفلسطينيون والعرب إلى جميع المصطلحات والمفاهيم التي يبثّها الإعلام المعادي وأن يتأمّلوا في هذه المفردات والمصطلحات قبل نقلها وتداولها لخطورة تأثيراتها على الوعي العربي ومخافة تناقلها على الألسنة ورسوخها في الأذهان.

ومن هذه المصطلحات التي لا يجوز لوسائل الإعلام العربيّة استخدامها على الإطلاق مصطلح «وزير الدفاع الإسرائيلي» لأنه مصطلح يجافي الحقيقة مجافاة تامة، فالجيش الصهيوني هو جيش عدوان وإجرام وارتكاب مجازر وحشية ضدّ الأطفال والنساء والمدنيين العزل وليس جيش دفاع كما يزعمون غشّاً وخداعاً وكذباً، ولا يمكن لهذا الجيش أن يكون جيش دفاع ما دامت الأرض التي يحتلها ليست أرضه.

ويتصل بذلك مقولة حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، وهي مقولة يقصد بها إطلاق يد الجيش الصهيوني في ارتكاب المجازر ضدّ المدنيين العزل وتدمير المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس وغيرها، وهو مصطلح يحاول التنكّر لحقّ من تتعرض أرضه للاحتلال من مقاومة المحتلّ وحقّ الدفاع عن النفس بينما يمنح هذا الحق للمعتدي لا على المعتدى عليه، وحتّى عندما ينتقدون جيش الاحتلال بالقول إنّ حقّ الدفاع عن النفس يجب أن يراعي القوانين الدولية فإنّهم يخطئون في ذلك، لأنّ هذه القاعدة تسمح للمعتدي بالاعتداء على المعتدى عليه ولكن في حدود الا?فاقيات والقوانين الدولية، وفي ذلك من وجهة نظري إمعانٌ في إيقاع الظلم على المظلوم، أما يكفي أن أرضه محتلّة ودماءه مراقة من قبل الاحتلال حتى يؤذن لمن قام بالاحتلال أن يواصل اعتداءه عليه؟!

ومن العبارات التي يردّدها الناس دون إدراك لمعناها الدقيق عبارة حرب غزّة أو الحرب بين (إسرائيل) وغزّة، فهي من العبارات أو المسمّيات المضلّلة، لأنّ الذي يجري على أرض غزّة، ليس حرباً بالمفهوم الدقيق للحرب، بل هو عدوان صهيوني على غزّة، فالحرب تقع عادة بين جيشين متكافئين في القوّة أو متقاربين في الإمكانيات والوسائل الحربيّة، أمّا أن يمتلك أحد الطرفين أحدث أنواع الأسلحة والطائرات والصواريخ والبوارج ووسائل القتل ويتلقّى دعماً غير محدود من القوى العظمى بينما لا يمتلك الطرف الآخر عشر معشار ما يملكه الطرف المدجّج بك? أنواع الأسلحة فلا يمكن أن يسمّى ذلك حرباً، كما أنّ تركيز الطرف الذي يمتلك كلّ هذه الأسلحة على قتل المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ وتدمير المدارس والمساجد والكنائس واقتحام المستشفيات وتفجيرها وقتل الأطباء والمرضى وحرمانهم من العلاج والأدوية، بالإضافة إلى استخدام التجويع والتعطيش وغير ذلك، لا يمكن أن يطلق على ذلك اسم الحرب، بل هو ارتكاب للمجازر وعدوان وحشيّ يقوم به الاحتلال الصهيوني على شعب آمن في أرضه ووطنه التاريخي العريق.

ومن المصطلحات والعبارات التي تتردد كثيراً على ألسنة المسؤولين الغربيين ووسائل الإعلام الغربيّة ويحاولون توطينها في وسائل الإعلام العربيّة عبارة «مفاوضات إطلاق الرهائن»، وهي عبارة تنطوي على الكثير من التمييز العنصري والحقد النازي الذي لا يرى أيّ قيمة لسبعة آلاف معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال بينما يرى أن بضع عشرات من الجنود الصهاينة في قبضة المقاومة الفلسطينية لهم الأهميّة المطلقة، وهذا موقف متحيّز ومتعصّبٌ وحاقد ويتماهى مع أقوال زعماء الاحتلال الصهيوني بأنّ الفلسطينيين حيوانات على هيئة بشر.

وهذا غيضٌ من فيض من لغة السياسيين والإعلاميين الصهاينة والغربيين التي أدعو وسائل الإعلام العربيّة وكلّ عربي مخلص وشريف إلى الحذر من استخدامها وإلى التنبّه إلى أبعادها ودلالاتها الخبيثة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير