أما بعد في كل ما هو بعد
مالك العثامنة
القراءات المبكرة المضبوطة على العقل البارد دوما مهمة، وهي واجب وظيفي للدول التي تحترم ذاتها.
كانت أحداث 7 أكتوبر في قطاع غزة تفجيرا إقليميا تجاوز القطاع وكل قواعد الاشتباك التقليدية منذ سنوات بين حركة حماس وإسرائيل.
العقلاء "وهم قلة في العالم" قرأوا حدوث التفجير مبكرا، ولا يحتاج الأمر تنبؤات فلكية ولا مصادر استخباراتية عميقة لتقدير الموقف، كانت الأحداث المتأزمة بتسارع تكتب تقدير الموقف آنيا. الأمية بالقراءة والجهل كانت من نصيب المتطرفين والمتعصبين، التطرف – أي تطرف- ليس إلا حالة عمى كامل عن الرؤية.
وحدث ما حدث في السابع من أكتوبر، وتداعت الأحداث في موجة هزات ارتدادية عميقة في إقليم كان أصلا يعيش زحزحته القارية في التغييرات العميقة، وكانت الحسابات تعكس مصالح متقاطعة حينا ومتصادمة حينا، لكن كل أسس الحسابات تغيرت اليوم.
القراءة الواعية تتطلب فهما للوقائع وإدراكا للواقع، الأمنيات لا مكان لها في ذلك " اليوم التالي" الذي يتحدث الجميع عنه.
ما نزال نتمسك "رسميا" بمفهوم "حل الدولتين". لكن وقائع الواقع فعليا ضد مفهوم حل الدولتين على الأرض. هل صار الحل مستحيلا، هل يمكن تغيير الواقع أم تغيير المفهوم؟
ما هي السيناريوهات البديلة؟ مراكز الأبحاث وخزانات الأفكار المتصلة بصانعي السياسات في الدول الغربية وتحديدا واشنطن بالقائمين عليها من سياسيين مؤثرين ولهم شبكة العلاقات الكافية بدأت "مبكرا" طرح الأفكار البديلة والغريبة والعجيبة، أفكار بالتأكيد تحمل أجنداتها وليست حيادية، لكنها أفكار مطروحة ومسموعة وخاضعة للنقاش في دوائر صنع القرار السياسي "الدولي". ولنتذكر أن أوسلو كانت فكرة غير رسمية تم طرحها على طاولة في بيت منعزل في شمال أوروبا البارد، وانتهت إلى كل ما نراه من خيبات اليوم.
هل هناك قنوات خلفية لا يعلم بها أحد ستنتج فكرة جديدة تنفجر خيبة أكثر عنفا؟
قبل أسبوعين، استمعت في لقاء مغلق لشخصية قيادية في حماس حديثا يحمل أبعادا سياسية وتسويات ممكنة ومحتملة قادمة، حماس تريد دولة فلسطينية عاصمتها القدس "لم يؤكد شرقها أو تشمل غربها"، وتؤكد الشخصية تواصل الحركة بمكتبها السياسي مع السلطة، لكن السلطة – منتهية الصلاحية- ترفض الحوار بكل أشكاله مع حماس كشريك فلسطيني!
فعليا، وعلى أرض الواقع وما تقوله الوقائع فإن السلطة هي التي فقدت شراكتها الحيوية مع شعبها الفلسطيني، حضورها ليس أكثر من تمديد ضروري لعبور الوقت.
العلاقة الأردنية بحماس موجودة لكن ضمن حدود منظور أمني "وهو ضروري" أو عن طريق طرف ثالث في المقاربات السياسية. ألم يحن الوقت لتغيير ذلك كله؟ توسيعه وترقيته إلى مستوى سياسي أكثر وضوحا؟
العلاقة مع السلطة مبنية على أشخاص "ليسوا في ربيع العمر" ولا مع مؤسسات، فالمؤسسة منهارة والأشخاص – في الصف الأول من مناضلي الأمس- بمجملهم فقدوا شرعية الحضور السياسي أمام الفلسطينيين، هل يمكن التفكير خارج صندوق أوسلو "ومشتقاتها" بعد اليوم؟
هل ما تزال منظمة التحرير الفلسطينية "المتشظية على نفسها" ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني فعلا؟
يقول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بما معناه أن معاهدة وادي عربة يغطيها الغبار، ماذا لو نفض العالم الغبار عن قرارات دولية ما تزال حاضرة وممكنة مثل 242 مثلا؟ ألم ندخل جميعنا إلى مؤتمر مدريد على أساس 242؟
هل يمكن العودة بصيغة محدثة إلى حيث توقف الجميع في مدريد قبل أن تبترها محادثات أوسلو؟
السؤال الأهم: هل ينزاح اليمين الإسرائيلي وينزل عن الشجرة؟ وبالترابط هل سيكون هناك شريك فلسطيني حقيقي من رحم الأرض الفلسطينية؟ شريك يبني على مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره؟
وحين نتحدث عن الصمود بمعناه الحقيقي المكتمل والمنطقي: ما هي كلف وأرباح وخسائر الصمود السياسي الأردني، هل لدينا حسابات مبنية على قراءات مبكرة تشمل الإقليم بمصادر الطاقة والغاز ومشاريعه التكاملية العابرة للبلدان.
تلك أسئلة تحتاج حسابات متأنية وبعقل بارد رغم كل سخونة الأحداث وتسارعها.