المحنة والاختبار!

{title}
أخبار الأردن -

يعقوب ناصر الدين

لم يشهد التاريخ الحديث محنة بحجم المحنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، محنة أثارت موجة من السخط والغضب في أرجاء العالم كله ، الذي شاهد حرب الإبادة وفظائعها على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، محنة يصعب محو آثارها لفترة طويلة من الزمن، وبقدر ما هي مؤلمة ومحزنة بقدر ما وضعت مستقبل القضية الفلسطينية، ومستقبل المنطقة أمام اختبارات حقيقية وصعبة ومعقدة.


كان الانتهاك صارخا لجميع القوانين والاتفاقيات والأعراف الدولية، وهذا هو الاختبار الواسع النطاق للشرعية الدولية، والأجوبة عليه هي من شأن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمنظمات الدولية كلها، وكان تهديد الأمن الإقليمي هو الاختبار الأشد قربا وتأثرا بتلك الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، وكان مشروع التهجير إلى مصر والأردن والمساس باتفاقيات السلام الاختبار المباشر لنا وللشقيقة مصر فكان الرد حاسما وقاطعا.

في اختبار من هذا النوع ووسط حالة من انعدام التوازن أمام التطور الصارخ الذي وقع يوم السابع من شهر أكتوبر الماضي فإن بلدا مثل الأردن بحكم اقترابه الوثيق من فلسطين وشعبها وقضيتها لا بد أن يكون قادرا على تحليل ذلك التطور وفهمه على حقيقته، وتوقع أمده ونتائجه، خاصة وأن ما يجرى ليس بعيدا عما حذر جلالة الملك عبدالله الثاني من وقوعه كنتيجة حتمية لسياسات حكومة اليمين المتطرف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانكارها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وممارساتها العدوانية الظالمة من تدنيس للمقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها الحرم القدسي الشريف، ومن تدمير وقتل واعتقال وتضييق على الحياة اليومية، واستفزاز متواصل من قبل المستوطنين اليهود، بلغ حدا لا يمكن إلا أن يؤدى إلى انفجار كبير من هذا النوع.
كان الاختبار الحقيقي بالنسبة لنا في الأردن يتعلق أساسا بقوة موقفنا، وقدرتنا على توجيه الأنظار إلى الأسباب التي صنعت تلك الحالة من الاحتقان في جميع الأراضي الفلسطينية، وفي مقدمتها عدم قبول إسرائيل بحل الدولتين الذي ظل جلالة الملك يصرعليه كحل وحيد وضروري لينعم الجميع بالسلام والاستقرار، ولتهيئة أرضية لنوع من تعاون اقتصادي مزدهر تستفيد منه شعوب المنطقة بأسرها، وقد أصبح قادة العالم كله يتعاملون مع ذلك الاختبار الذي وضعهم جلالة الملك أمامه في الوقت المناسب جدا!
قوة الموقف في هذا الاختبار مستندة أساسا على المبادئ التي يتبناها جلالة الملك بشأن حقوق الشعب الفلسطيني، والعناصر الموضوعية التي تتشكل منها رؤية جديدة لهذه المنطقة من العالم، ومن هذه الناحية كان الأردن هو الذي يختبر الآخرين في مدى استعدادهم للتعامل مع الحقائق وليس الشعارات والمزايدات التي أضرت بالقضية الفلسطينية وما تزال!
 يقف الأردن في مساحة الحق والصدق والوضوح، وذاكرته تحتفظ بجميع الوقائع التاريخية لتلك الحالة المتكررة من الكذب والتشويه والخداع التي تحيط بتلك القضية وغيرها من القضايا العربية كلما وقعت أزمة هنا وقامت حرب هناك، يتحمل نتائجها المؤلمة كبلد حاضن لأوجاع أمته العربية، ويهب مدافعا عنها، ومساندا لها بكل ما لديه من قدرات مادية ومعنوية وإنسانية، لا يرتجى من وراء ذلك مكسب من أي نوع لذاته.
ينظر البعض إلى الأردن على أنه خاصرة ضعيفة بالنسبة للتهديدات القائمة، وتلك نظرة قاصرة، وأحيانا مريضة، ونحن اليوم على يقين أن الكل سيواجه اختبارا من ناحيته أمام هذه المحنة ونتائجها وما سيترتب عليها لاحقا، وبإمكان الأردنيين ونخبهم السياسية والفكرية والإعلامية وخاصة الأحزاب الوطنية أن تعزز ثقتها أكثر من أي وقت مضى بأن الأردن في وضع يسمح له باختبار الآخرين جميعا وليس العكس!

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير