هل سيتم تجنب سيناريو الحرب الإقليمية؟
ماهر أبو طير
كل التحليلات السياسية في عواصم العالم، تحذر من نشوب حرب إقليمية، وبرغم أن هناك انقساما حول احتمال حدوثها، إلا أن لا أحد يحسم مآلات الوضع في كل المنطقة.
الولايات المتحدة الأميركية ذاتها تتعرض مصالحها وقواعدها العسكرية الى الخطر، من خلال عمليات القصف أحيانا، والواضح ان واشنطن تدير رد الفعل ضمن مساحات محددة، وهي لا تريد التورط بشكل مباشر عبر قواتها وجنودها في حرب إقليمية، حتى برغم حادثة اختطاف السفينة في البحر الأحمر، وسبب ذلك يعود الى ان واشنطن تدرك الأخطار الاقتصادية، وكلف النفط في العالم، وقرب الانتخابات الأميركية، وتورط واشطن في اوكرانيا وغير ذلك من عوامل تجعلها تسعى لتجنب الحرب، وإدارة ردود فعلها بشكل محدد، وفقا لكل حادثة، وهذا مانراه من عمليات قصف أميركية محدودة في سورية، والعراق، وغير ذلك من مناطق.
إسرائيل تريد توظيف حرب غزة، لتصفية كل حساباتها، فهي تريد استدراج الولايات المتحدة الى الشراكة المباشرة في الحرب، وليس مجرد تقديم الدعم العسكري من واشنطن، او الدعم المالي، او حتى رسو البوارج قبالة شواطئ فلسطين، لتهديد مختلف دول الإقليم، فهذا ليس كاف لإسرائيل التي تريد اغتنام التوقيت للتخلص مما تراه تحالفا إيرانيا، مع حزب الله من جهة، وتمددا في سورية والعراق واليمن، وبرغم كل إمكانات إسرائيل العسكرية الا أنها ليست قادرة على خوض حرب مفتوحة تهدد عدة دول، وتدفق النفط، وإغلاق الملاحة في البحر الأحمر، وغير ذلك من تداعيات محتملة، وتفضل أن تستدرج الولايات المتحدة لحرب إقليمية، تقوم فيها واشنطن مع حلفاء آخرين، بقطع أيدي إيران في المنطقة، واستهداف طهران ذاتها.
الإيرانيون بدورهم وبرغم كل الكلام الجميل عن دعم المقاومة الا انهم لا يريدون حربا كذلك، ولا يريدون التضحية بأهم ورقة بأيديهم، اي حزب الله، في حرب ليست على صلة مباشرة بالمعسكر الإيراني وحساباته، ولربما تفضل إيران من خلال كل العمليات التي رأيناها من جبهات محتلفة، أن تبرق فقط برسائل تهديد الى المعسكر الأميركي-الإسرائيلي، حول قدرات إيران في كل المنطقة، ولهذه البرقيات اكثر من هدف، أولها منع تورط واشنطن في حرب ضد هذا المعسكر، لإدامة عمره، ونفوذه من خلال التذكير بقدراته، وايضا قد يكون الحث غير المباشر من أجل ترسيم خرائط القوة في المنطقة، ومساومة الإيرانيين، والوصول معهم الى صفقة حول قوتهم، ومناطق نفوذهم النهائية، بدلا من التورط في حروب كبرى.
المعسكر الروسي والصيني ومعهما دول متعددة لهم حسابات معقدة، حيث يجدون في غزة، واحتمالات توسع الحرب، منفعة من باب تصنيع سيناريو مواز لأوكرانيا، وكما فتح الغرب جبهة للروس في أوكرانيا، فإن فتح جبهات متعددة ضد الوجود الغربي في المنطقة، وقاعدته الاستعمارية الأولى، أي إسرائيل، يبدو مفيدا للروس جدا، وليس أدل على ذلك من المعلومات حول مشاكل التمويل المالي في واشنطن لحرب أوكرانيا، بعد تورط إسرائيل في غزة، بل ومشاكل الذخيرة والإمدادات العسكرية لأوكرانيا، امام احتياجات إسرائيل اليومية.
ما سبق بعض الإشارات حول حسابات كل طرف، وهي حسابات معقدة، صنعتها غزة، على جذر المعاناة الفلسطينية، لكن في حسابات الإقليم وعواصم العالم، هناك حسابات أكثر تعقيدا، وعلينا ألا ننسى أن فلسطين تقع في قلب الكرة الأرضية التي تتصارع فيها قوى النفوذ طوال التاريخ، لاعتبارات القومية والدين والثروات، والموقع والتأثير وغير ذلك، لكن كل هذه الحسابات قد تقودنا الى أحد الطريقين، الأول اندلاع حرب إقليمية نهاية المطاف تتحول لساحة صراعات دولية، او تجنب الحرب الإقليمية العسكرية الواسعة، لصالح احتمال بديل، وهو استمرار الصراع بحدة وعبر وكلاء، ومكاسرات لا تنتهي أبدا، تزيد من استنزاف المنطقة، وتدمير بنية أهلها، وتبدد ثرواتهم، في مشهد يتجاوز بكثير الحسابات الظاهرة.
من المؤكد أن وراء صوت الصواريخ التي تتنزل على الأبرياء في غزة، هناك مشاهد خفية من التحدي والمساومة والتفاوض وتشكيل التحالفات أو فكها، حتى لانبقى نقرأ مشهد غزة، داخل حدود القطاع، دون أن ندرك أن هذه الحرب تختلف حقا عن سابقاتها، من حيث التوقيت وعدد الشركاء، وحساباتهم، ووضع الإقليم، وصراع القوى في العالم.
يبقى السؤال عالقا: أين فلسطين وقضيتها الأساسية وسط كل هذه التعقيدات ؟