ضغوطات متزايدة على إسرائيل
د. محمد حسين المومني
تتزايد الضغوطات على إسرائيل جراء حرب غزة، وتكلفتها الإنسانية الباهظة، وتجاهل إسرائيل قواعد القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. في الأيام القليلة الماضية، جرى ما يلي: الحكومة الإسبانية تقول إنها تتجه للاعتراف بدولة فلسطينية لإيمانها بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وجراء ما يتعرضون له في الضفة وغزة، مطالبة إسرائيل بالكف عن هذه الحرب، ومؤكدة أن هذا الموقف لا يقلل من دعم إسبانيا لإسرائيل؛ ثلاثمائة محام فرنسي يريدون أخذ الحكومة الإسرائيلية على محكمة الجنايات الدولية جراء جرائم الحرب التي تنتهك بحق الفلسطينيين؛ مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية يقول إن العالم لا يستطيع أن يزيح وجهه عما يجري في فلسطين من جرائم؛ الولايات المتحدة تمتنع عن التصويت ولا تستخدم حق النقد الفيتو بوجه قرار لمجلس الأمن الدولي يدعو بإلزامية قانونية لهدنة إنسانية في غزة في سابقة نادرة وربما تاريخية؛ جلالة الملك ينشر مقالا في صحيفة الواشنطن بوست؛ ثاني أكبر الصحف الأميركية، يخاطب فيه النخبة والرأي العام الأميركيين ويضع السردية العربية لتكون حاضرة في المشهد يعلوها استحضار إنسانية العالم والدفع باتجاه حل الدولتين؛ المسيرات تستمر في أرجاء العالم دعما لإنسانية الفلسطينيين وحقهم في تقرير مصيرهم.
هذه بعض مما يحدث في العالم، تشير كلها إلى أن إسرائيل تخسر المعركة أو الجبهة الإنسانية والإغاثية، أمام حجم القتل والدمار الذي يجري، وأن مزيدا من الضغوط سوف تستمر بالتصاعد الى أن تصل لحدود لن تحتملها إسرائيل. لا يحدث هذا لأن العالم يكره إسرائيل أو يدعم حماس، هذا غير صحيح بالمطلق، ما يحدث مرده التعاطف الإنساني الكبير مع مدنيين عزل من نساء وأطفال وشيوخ أمام آلة الحرب الإسرائيلية التي تتصرف بطريقة انتقامية وكم كبير من التخبط. الجيش الإسرائيلي لا يمتلك أهدافا قابلة للتحقيق في غزة، وهو بممارساته إنما يريد فرض العضلات العسكرية التي يروح ضحيتها شهداء أبرياء. لم يصل صانع القرار، وربما الرأي العام الإسرائيلي، لدرجة من الحكمة والتعقل ليدرك أن هذه المعركة لا رابح أو خاسر فيها، وأنها سوف تستمر على شكل جولات لأن أسبابها باقية، وأنه لا حل يجلب السلام والأمن إلا من خلال معالجة أسباب الحرب والعنف. إسرائيل تسيطر عليها حالة من الجنون الغاضب والرغبة بالانتقام، وهذا معناه تكلفة إنسانية، ومزيد من الضغوط على إسرائيل، وخسارة إسرائيل لمعركة الصورة والقبول الدوليين.
احتمالات نتائج هذه الحرب مفتوحة بالاتجاهات كافة، يغلب عليها الجانب السلبي، وهو إعادة الاحتلال واستعباد الفلسطينيين وخلق بيئة لتهجيرهم، ما سيدخل المنطقة برمتها في دوامة من الحرب والعنف، بما فيها الدول الموقعة على معاهدات سلام لأن التهجير بالنسبة لها إعلان فعلي للحرب تماما كقصف الدبابات والطائرات. لكن ثمة بصيص أمل في أن يسود صوت العقل والحكمة، خاصة إذا ما غادر نتنياهو، وأن يدرك الإسرائيليون أن قيام الدولة الفلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير هو التعامل العاقل الحكيم مع هذا الصراع المحتدم.