الاخبار العاجلة
ليست حربا دينية

ليست حربا دينية

د. محمد حسين المومني

ما يزال الخطاب الأردني متقدما وقويا يعبر عن ضمير الأمة كاملة، ينحاز للحق وللجانب الصحيح من التاريخ، يقول للعالم ما يشعر به كل عربي ومسلم وإنسان حر شريف. جلالة الملك في القمة العربية والإسلامية في الرياض أعلنها بصراحة وقوة أن هذه الحرب ليست حربا دينية بين أديان وأتباع هذه الأديان، بل هي حرب على الكرامة الوطنية والحق في تقرير المصير، ورفع الظلم التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين في مسعاهم لنيل حقوقهم، وضد تجبر وتعنت إسرائيل في إعطاء الحقوق لأصحابها. قالتها الملكة أيضا في مقابلتها الأخيرة مثبتة ذلك أن اليهود والمسلمين عاشوا آلاف السنين معا بسلام ودون حروب، وفي أدبياتنا الدينية عشرات الأمثلة التي تثبت ذلك. هذه حرب سياسية سيادية يسعى من خلالها شعب لنيل حقوقه وتثبيت سيادته على أرضه، فالفلسطينيون والعرب والمسلمون لا يقاومون أو يقاتلون لأن غالبية إسرائيل يهودية الديانة (فيها مسلمون ومسيحيون)، بل لأنها مشروع أخذ السيادة وحق العيش بكرامة وطنية من الفلسطينيين بمسلميهم ومسيحييهم، وقد فعلوا ذلك ضد الاستعمار والانتداب قبل ما فعلوه مع إسرائيل.


يعيدنا هذا النقاش لأطروحة صراع الحضارات التي أتى بها هنتغتون، وأخذت أصداء عالمية قوية، والتي قالت إن الحروب الكونية القادمة بعد أن انتهت الحرب الباردة ستكون حروبا بين حضارات، وبالتحديد بين الحضارة الإسلامية وتلك المسيحية، حيث أشار إلى أن الحضارة الإسلامية محاطة بالدماء أي أنها مشتبكة مع من حولها بالحروب. تم رفض وضحد هذه الأطروحة علميا وبشكل عميق وقوي وذلك من قبل الغالبية الساحقة من منظري السياسة وعلومها. وأما سياسيا، فقد قاومها قادة شرفاء متنورون أقواهم وأوضحهم جلالة الملك عبدالله (لا زلت أذكر خطابه الذي حضرت في جامعة رايس عام 2002)، الذي قاد الجهود العالمية بأن ما يحدث بالعالم وما سيحدث ليس صراعا بين الحضارات، وإنما نزاعات على حقوق وموارد ويجب على العالم أن يراها هكذا وإلا لدخلنا في دوامة من العنف والقتل وامتدت النزاعات وكبرت. هذا الطرح لاقى قبولا محترما من الغالبية، وقد كان طرحا يستند كما عادة الأردن لقوة الحق والمنطق، لذلك فقد ثبتت بالفعل صحته. يحق لنا بالأردن وبكل تواضع أن نقول إننا بالفعل من طليعة من ساهموا بهزيمة فكرة صراع الحضارات، تماما كما أننا نرفض اليوم القول إن الحرب الدائرة دينية، واعتبار ذلك كلاما خطيرا يضعف الموقف العربي والفلسطيني.

من يروّج لفكرة الحرب الدينية لا يدرك خطورتها، ولا يعي كم أن هذا القول سوف يجيّش العالم والموارد خلف إسرائيل أكثر مما هي الآن، ولا يعي أيضا أن هذا الكلام غير صحيح منطقيا وبإثبات التاريخ. الحرب حرب على الظلم ونكران الحقوق للفلسطينيين بكافة أطيافهم، يساندها كثير من اليهود المتنورين حول العالم الذين يدركون أن إسرائيل لا تتحدث أو تتصرف باسمهم، لأن ظلمها وجبروتها ضد الفلسطينيين وإنكار حقوقهم لا يقبله أي إنسان يحترم إنسانيته، وأن هذا الشعب الفلسطيني يستحق الحياة الكريمة، والكرامة الإنسانية، وأن ينال كافة حقوقه السياسية، يعلوها حق تقرير المصير تماما كما باقي شعوب العالم.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).