خطاب الملك.. من دائرة التشخيص إلى الممارسة
النائب د. فايز بصبوص
لقد انتقل الخطاب الملكي من دائرة التشخيص والاسترسال، في شرح أبعاد العدوان على غزة، إلى دائرة الترجمة المباشرة للممكن، وليس في المستحيل وبذلك قال جلالته «سيواصل الأردن القيام بواجبه في إرسال المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة».
بهذه العبارة أوضح جلالة الملك في القمة العربية الإسلامية في الرياض، أن الأردن سيغادر دائرة التشخيص الى دائرة التنفيذ والممارسة على الأرض، وهو ما انعكس مباشرة بالإسقاط الجوي من قبل قواتنا المسلحة الباسلة بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني، وبإشراف مباشر من قبل سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، للمساعدات الطبية للقطاع المنكوب، وهذا الاسقاط الذي استهدف المستشفى الميداني الأردني.
وقد دخل على دائرة هذا الاختراق كل من الامارات العربية وقطر من خلال تقديم المساعدات الطبية للاشقاء في غزة بواسطة الاسقاط الجوي الأردني للمستشفى الميداني الأردني في القطاع وهذا يعني ترجمة مباشرة لكلمة جلالة الملك في القمة العربية وهو ترجمة أيضا لقرار كسر الحصار المتخذ في القمة العربية الإسلامية المشتركة وبان الأردن سيقدم وسيستمر في تقديم المساعدات بكل الطرق الممكنه وهو توظيف عملياتي لكلمة جلالته ونموذجا يحتذى لكل من هو جاد في دعم الاشقاء الفلسطينيين لمواجهة الكارثة الإنسانية في قطاع غزة.
فقد أوضح جلالته أيضاً أن استمرار هذه الحرب البشعة، سيؤدي الى صدام كبير يدفع الأبرياء من الجانبين ثمنه، وتطال نتائجه العالم كله، موضحاً جلالته بأن عملية ربط الصراع بـ 7 أكتوبر، هو تقييم لا يمكن اعتماده كلغة في الاعلام والتشخيص، وقد قال جلالته بكل وضوح عن الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني:
"هذا الظلم لم يبدأ قبل شهر، بل هو امتداد لأكثر من سبعة عقود سادت فيها عقلية القلعة وجدران العزل والاعتداء على المقدسات والحقوق، وغالبية ضحاياها المدنيون الأبرياء».
من هنا فاننا نقول أن جلالة الملك، قد وضع البناء الفكري للصهيونية العالمية وتجليها في دولة الاحتلال بعقلية القلعة وجدران العزل، أي أن جلالته يوضح بكل الصور أن عقلية الانعزال والشوفينية النازية المرتكزة على الذاتية ونرجسية التكوين الفكري والبنائي للحركة الصهيونية، هو المحرك لعدم استيعاب الآخر والتقوقع على الذات من خلال الاختباء دائما خلف الجدران، وهذا تشخيص ملكي دقيق لبنية الوعي الصهيوني.
وأن انعكاسات هذه العقلية، هي المحرك لجعل غزة مكان غير قابل للحياة، ولكن حكمة وثقل والقدرة الاستشرافية، لجلالة الملك قد أوضحت أن الحراك الدبلوماسي الأردني، قد ارتكزت دائماً وابداً على قيم الإنسانية المشتركة قائلاً جلالته:
"أن هذه القيم لا تقبل قتل المدنيين او الوحشية التي تمثلت امام العالم خلال الأسابيع الماضية من قتل ودمار ولا يمكن ان نقبل ان تتحول قضيتنا الشرعية العادلة بؤرة تشعل الصراع بين الأديان».
وهنا شخص جلالته جوهر مشروع التهويد والقائم على سمو الديانة اليهودية على بقية الأديان، مبيناً أن هذا الصراع لا يمكن أن يترجم على أرض الواقع، لأن الوعي الجمعي الدولي والمتمثل بالسلام والكرامة، البشرية لا يمكنه ان يقبل او يتماهى مع هكذا توجه فقد قال جلالته:
"نقول للعام كله ولكل مؤمن بالسلام وبكرامة البشر مهما كان دينهم او عرقهم او لغتهم ان العالم سيدفع ثمن الفشل في حل القضية الفلسطينية ومعالجة المشكلة من جذورها».
هنا نود أن نوضح أن الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية والتي دائما وابدا كانت قاطرتها الأردن في كل المحافل الدولية والإقليمية والعربية قد تجسدت في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشان غزة بجهد عربي مشترك ومبادرة اردنية وهنا قال جلالة الملك:
عن هذا القرار التاريخي «لقد كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشان غزة انتصارا للقيم الإنسانية وانحياز للحق في الحياة والسلام واجماعا عالميا برفض الحق وهو قرار جاء بجهد عربي مشترك».
هنا دعا جلالة الملك إلى ترجمة ذلك القرار على أرض الواقع من خلال الدعوة لبناء تحالف سياسي لوقف الحرب والتهجير أولاً وفوراً، موضحاً جلالته أن العالم بأسره سيتحمل التبعيات الكارثية لهذه الحرب غير العادلة، وهو تحذير يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ذلك لأن التحذيرات الملكية السابقة، والتي سبقت كارثة التصفية العرقية وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين، كان قد نبه وحذر منها جلالته من خلال حكمته ورزانة تقييمه وقدرته الاستشرافية وقراءته الدقيقة، لعدم الاخذ بعين الاعتبار الحقوق الفلسطينية المشروعة في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، دون تردد او مساومة او تسويف، فان الكارثة في امتداد هذا الصراع الى الإقليم والى العالم ستكون ماثلة امام المجتمع الدولي لأنه لم يأخذ في جوهر ومضمون الصراع ولكنه اعتمد على مستجدات الشكل في الزمان والمكان.
التحذيرات الملكية بحاجة إلى حكمة عالمية تتبناها سريعاً، حتى لا نصل إلى أثمان باهظة يدفعها الأبرياء في هذه المنطقة، وتطال نتائجه العالم كله.