ما بعد الحرب أخطر من الحرب

{title}
أخبار الأردن -

ماهر أبو طير

دخل رئيس الحكومة الإسرائيلية وفريقه السياسي والعسكري والأمني حربا لإنقاذ مستقبلهم وسمعتهم بعد ضربة السابع من تشرين الأول، وهذه الحرب تحرق الأبرياء، في أبشع حرب قد يراها التاريخ، وقد يسجلها في سجلاته، حرب تفرز الشعوب والأمم والدول بشكل واضح.

دخلوا الحرب، لكنهم سوف يواجهون ما هو أخطر بعد الحرب ذاتها، لأن كل السيناريوهات أخطر من بعضها، وجميع هذه السيناريوهات تقول إن إسرائيل قيد المجهول مهما طال الزمن.

إذا انتصرت إسرائيل بسبب القوة العسكرية على غزة، فهي ستواجه خطرا أكبر، أي إدارة غزة، والبعض يقول إن إسرائيل قد تترك غزة لحماس مجرد هيكل سياسي دون قوة عسكرية لتواجه مصيرها أمام الغزيين، ومن أجل أن تغرق حماس في إدارة القطاع وسط الحصار والتقييدات على حدودها، بحيث يكون الكل في القطاع، أمام خراب كبير، بلا خدمات ولا علاج ولا تعليم ولا طاقة، وهذا سيناريو سيقود إلى نتائج كارثية أسوأ من الحرب ذاتها، لأن المذبحة هنا سوف تتواصل بنمط آخر، يتغطى بترك المقاومة لما تظنه إسرائيل عقابا شعبيا من أهل القطاع، بسبب جر القطاع للحرب، وإسرائيل تتناسى هنا أن هناك شعبا لن يسكت أمامها.
وإذا لم تنتصر إسرائيل، بمعايير تل أبيب ذاتها، فإن نتائج الزلزال كبيرة، على مستوى بنية المجتمع الإسرائيلي، والمحاسبات الداخلية، وحجم الغضب والكراهية ضدها في فلسطين التاريخية، وفي العالمين العربي والإسلامي، هذا فوق أن معايير انتصار إسرائيل ليست مجرد إطلاق سراح الأسرى، أو إنهاء المقاومة المسلحة، لأن المقاومة مثلا سوف تتجدد بأنماط مختلفة، وهذا ما رأيناه على مدى أكثر من سبعة عقود، كما أن إسرائيل فقدت جاذبيتها لجلب المستوطنين، وخسرت اقتصاديا وعسكريا، وستتعرض إلى هزات داخلية على خلفية الحرب بما يقود كل مجتمع الاحتلال إلى ما هو أخطر من الحرب ذاتها، أو حتى ما واجهه هذا الاحتلال، ومن النتائج المتحققة خروج كثير من الإسرائيليين ومغادرتهم لفلسطين، فلماذا يعيشون في مجتمع يخوض حربا كل عامين ونصف في المتوسط، إذا اعتبرنا أن هذه الحرب هي السادسة منذ عام 2007، التي يتم شنها ضد قطاع غزة، بما يثبت الفشل الإسرائيلي أصلا.
لن تقبل أي قوة دولية أو عربية التورط في غزة، لاعتبارات مختلفة، من بينها أن كثرة لن تقبل أن تكون بديلا عن الاحتلال، كما أن أي إدارة دولية للقطاع ستؤدي إلى أزمات أكبر بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي على القطاع والحياة فيه، وبسبب الأخطار الأمنية والعسكرية التي قد تتعرض له أي قوات عربية أو دولية في القطاع، وهذا يعني أن لا دولة في العالم سوف تتورط في الكلفة الإنسانية والأمنية لإدارة القطاع، وهي لا تضمن أصلا السياسات الإسرائيلية بما يعني أن القطاع سيبقى جبهة مفتوحة في رأس الاحتلال، حتى بعد الحرب في حال توقفها.
كما أن سيناريو حكم سلطة أوسلو للقطاع يبدو مجرد وهم، إذ يكفي كراهية السلطة، وأعمال الثأر التي قد تتورط بها ذات السلطة على خلفية أحداث عام 2007، في مجتمع متوتر جدا، وغاضب ولن يحتمل أي مساس بأفراده في ظل ظروف سيئة، إضافة إلى أن السلطة ذاتها ليس لها أدوات مالية وسياسية للحكم، ولن يكون بمقدورها فنيا أن تدخل على أنقاض القطاع وعلى جثث الشهداء، وتقدم نموذجا أسوأ من نموذج جيش لبنان الجنوبي بكل مروياته السيئة.

ثم إن السيناريو الذي يتسرب الآن أخطر أيضا، والكلام بدأ عن خطة إسرائيل بعد تدمير شمال القطاع، والتأكد من نهاية أي قدرات عسكرية للمقاومة، وهذا السيناريو يتحدث عن استهداف المدنيين الفلسطينيين في جنوب القطاع لدفع أكبر عدد ممكن نحو مصر، إلى مناطق (ج) في سيناء، المحاذية لحدود غزة، بما يعنيه ذلك من كارثة إنسانية وسياسية، والكلام عن استعداد المصريين لعقد صفقة اقتصادية مقابل تمرير كل هذه الأعداد، مجرد وهم لا يحتمله الأمن القومي المصري، مهما اعتقد بعض المحللين أن إمكانات مصر لصد هذا السيناريو منخفضة.
كل هذا يعني أن ما بعد الحرب أخطر من الحرب ذاتها، على كل المستويات، بما في ذلك مجمل دول المنطقة، وليس مجرد كينونة الاحتلال، ومن يعش سيرى ذلك بعينيه.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير