ماذا يعني برنامج جديد مع الصندوق؟
سلامة الدرعاوي
توصلت الحكومة بنجاح إلى اتفاق جديد للإصلاح المالي والنقدي مع صندوق النقد يمتد للسنوات الأربع المقبلة بقيمة إجمالية تصل إلى 1.2 مليار دولار، بعد مفاوضات طويلة بدأت منذ شهر تموز الماضي في واشنطن.
البرنامج الجديد يأتي في وقت صعب جدا للغاية من حيث حالة عدم اليقين التي تسود مشهد الاقتصاد الإقليمي نتيجة لتداعيات حرب الإبادة التي تقودها قوات الاحتلال ضد الأهالي في غزة، والتي من المؤكد ستكون لها تداعيات عميقة على الاقتصاد الوطني، خاصة إذا استمرت لأشهر طويلة لا قدر الله.
البرنامج الجديد يتشابه كثيرا مع البرنامج الحالي الذي قارب على الانتهاء مع نهاية هذا العام، والذي كان قد وُقع يوم 18 من شهر آذار سنة 2020، أي مع بداية سريان الحظر الشامل لمواجهة تداعيات كورونا، وكان البرنامج في ذلك الوقت تحديدا له أهمية خاصة، إذ وفر للحكومة غطاء ماليا بقيمة تناهز الـ 700 مليون دولار لمواجهة الضغوطات الاقتصادية الجديدة التي واجهها الاقتصاد نتيجة الحظر، ونجحت الحكومة في تخطي أسوأ سيناريوهات الركود الاقتصادي نتيجة التوقف الكامل للاقتصاد.
اليوم قد يكون المشهد مشابها لما يتعرض له الاقتصاد من ضغوطات نتيجة حرب غزة، لذلك سيوفر البرنامج الجديد مساحات مالية مهمة للحكومة لمواجهة أي سيناريوهات اقتصادية طارئة أو ضغوطات مالية نتيجة الحرب وآثارها المحتملة على الاقتصاد.
البرنامج الجديد، الذي يبدأ العمل به بداية العام، تم إعداده من قبل وزارات ومؤسسات أردنية مختصة وفريق حكومي رفيع بقيادة وزارة المالية والبنك المركزي.
البرنامج سيساعد المملكة في المحافظة على الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي عبر رفع تنافسية الاقتصاد الوطني ودعم التصدير بهدف خلق وظائف لتخفيف نسبة البطالة، إضافة إلى التوسع في الحماية الاجتماعية.
الاتفاق الجديد مع الصندوق يواصل دعمه للجهود الحكومية في الاستمرار بمكافحة التهرب والتجنب الضريبي، وهو ما يحقق عدالة ضريبية ويرفع الإيرادات العامة للخزينة بدون إضافة أي أعباء ضريبية جديدة على المواطنين، حيث لا يتضمن رفعا لأي ضرائب أو فرض ضرائب جديدة، وهذا للعام الرابع على التوالي.
برنامج "تسهيل الصندوق الممدد" الجديد يؤكد الاستمرار في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمصرفي في المملكة، بما في ذلك الحفاظ على سياسة سعر الصرف الثابت للدينار الأردني مقابل الدولار، وتعزيز الشمول المالي في المملكة وتسهيل وصول المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل.
هذا إلى جانب تطبيق أفضل الممارسات الدولية فيما يتعلق بقطاع التأمين، وزيادة تعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والحفاظ على وضع الأردن كدولة غير مدرجة في القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل الدولية، فضلا عن الاستمرار في تطوير أنظمة الدفع الرقمية في المملكة.
لم يكن لهذا البرنامج أن يتم بدون الأردن (دولة مستوردة للنفط) وأداء الحكومة الثابت على مدى السنوات الماضية فيما يتعلق ببرنامج "تسهيل الصندوق الممدد" (EFF)، حيث حافظ الأردن على استقرار الاقتصاد الكلي في مواجهة الصدمات الخارجية المتعاقبة، وخفض من الاختلالات المالية العامة والميزان التجاري، كما حافظ على إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية مع المحافظة على تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، وقد تم إحراز تقدم كبير في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتعزيز النمو الشامل.
يُسجَّل للحكومة، ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي، إنجاز هذا الاتفاق مع الصندوق في هذا الوقت لتجنيب الأردن العامل السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تطورات المشهد الدامي في غزة، فالاتفاق بات اتفاقا اقتصاديا بعيدا عن الجوانب السياسية الدولية.