عندما يكذب الصهاينة ويصدّقهم الغرب

{title}
أخبار الأردن -

د. صلاح جرار

منذ التخطيط لإنشاء دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين والمخططون الصهاينة ومن يدعمهم من دول الغرب ينسجون الأكاذيب تلو الأكاذيب كي يقنعوا العالم بشرعيّة ما يخطّطون له من احتلال الأرض وطرد ساكنيها، وكانت الأكذوبة الأولى تقوم على حقّهم التاريخيّ التوراتيّ في أرض فلسطين، ثم تبعتها عند المباشرة في الاستيلاء على الأرض الأكذوبة التي تقول: أرضٌ بلا شعب لشعب بلا أرض. ونجح الغرب بالكذب والخداع والتزوير والمماطلة في تمكين اليهود من إقامة دولتهم المزيّفة ورفدها بأناس من دول الغرب ومن روسيا قد لا يكون لهم علاقةٌ باليهو? أو اليهوديّة.

ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا وهم يكذبون ويكذبون ويفترون ويزوّرون ويخادعون ويماطلون بكلّ الصور والوسائل الممكنة، ولا أتحدث عن انطلاء ذلك على بعضنا واستجابتنا المشينة لمثل هذه الأكاذيب والافتراءات والذرائع حتّى تكشّف لنا في هذه الأيام العصيبة الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الغدر.

إنّ مواقف بعض الدول العربيّة المتردّدة والمحرجة حتّى الحيرة سببها ما كنّا منخرطين فيه من جدلٍ عقيم حول إمكانية حلّ المشكلة الفلسطينية بالدبلوماسية أو بالمقاومة المسلّحة حتّى أصبحنا فريقين يتمنّى فيهما أصحاب الحلّ الدبلوماسي أن تباد غزّة والمقاومة عن بكرة أبيها كي يثبتوا للناس أنّ وجهة نظرهم في الحلّ السياسي قد كانت صحيحة وصائبة وأنهم كانوا وما زالوا يتميّزون بالحكمة وبعد النظر.

وقد كانت مشاريع الحلّ السياسيّ كافّة ودون أيّ استثناء تدخل في باب الكذب والمخادعة التي مارسها ويمارسها الصهاينة كي يتمكنّوا من تثبيت كيانهم على الأرض الفلسطينية وغيرها من الأراضي التي احتلّوها في سوريا ولبنان. ومنذ تنفيذ المقاومة لملحمة طوفان الأقصى البطولية في السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) والنجاح الباهر الذي أحرزته المقاومة في هذه العملية وأدهش الناس في كلّ مكان وحيّر عقول الصهاينة المحتلّين ومنذ قيام الصهاينة بعدوانهم الانتقامي الغاشم على أهل غزّة رجالاً ونساءً وأطفالاً وبنى تحتية والاحتلال يطلق ال?كاذيب الصارخة والمكشوفة كذرائع لجرائمه الوحشيّة، وكانت الأكذوبة الأولى أكذوبة قطع المقاومة لرؤوس الأطفال الإسرائيليين واغتصاب النساء وغير ذلك، وزيّف الإعلام الصهيوني صوراً وزّعها على وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الغربيّة فأثارت العالم الغربيّ المتربص أساساً على المقاومة، ثم تبع ذلك أكذوبة أخرى يراد بها تثوير العالم الغربي والعالم كلّه على الفلسطينيين والمقاومة، وهي أكذوبة تشبيه المقاومة الفلسطينية بداعش وأن ممارساتها لا تختلف عن ممارسات داعش، واستطاع الاحتلال الصهيوني من خلال ترويجه لهاتين التهمتين في الع?لم أن يستفزّ العالم الغربيّ خاصّة ضد الفلسطينيين وأن يشوّه مقاومتهم وأن يحصل على ضوء أخضر من كثير من الدول للانقضاض على غزّة وارتكاب المجازر فيها بأبشع الصور، واستغلّ الصهاينة هذه الفرصة للمبالغة في الانتقام ومواصلة ارتكاب المجازر واقتراف أبشع الجرائم حتّى ضجّت كثير من شعوب العالم من الأهوال والفظاعات التي ارتكبوها، فعند ذلك أخذ الصهاينة مجدّداً يروجون لذرائع لا يتقبّلها العقل ولا المنطق لاستمرار مذابحهم حين زعموا أنّ (المقاومة) تتّخذ من المدنييّن دروعاً بشريّة مما يتسبب بمقتل المئات من الأطفال والنساء كلّ?ا شنّوا غارةً هنا أو هناك، وجاءت بعد ذلك الكذبة الكبرى التي تدّعي أن مستشفيات غزّة تؤوي قادةً المقاومة وأن تحتها أنفاقاً تطلق منها المقاومة صواريخها، ولا شكّ في أنّ هدفهم من ذلك هو استباحة قصف المستشفيات وقتل من فيها من اللاجئين والمرضى والكوادر الطبيّة وحرمان أهل غزّة من العلاج حتّى يموتوا وهم ينزفون، وليس هناك من عذر أقبح من ذنب أكثر قبحاً وإجراماً واستخفافاً بعقول العالم من قتل خمسمائة مدني بالقنابل الفسفورية في أحد المستشفيات تحت ذريعة أنّهم يعتقدون أنّ في ذلك المكان قياديّاً من حماس، وفوق هذا وذاك يشك?ون- عمداً- في أرقام الشهداء التي تذكرها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

وإلى جانب ذلك تأتي أكذوبة ما تقوم به المقاومة من سرقة الوقود وسرقة المعونات التي تقدّمها بعض الدول، ويهدف الصهاينة من ذلك إلى تسويغ قطع الماء والغذاء والوقود والدواء عن أهل غزّة حتى يموتوا جوعاً وعطشاً ونزفاً، ومع كلّ هذه الجرائم فإنّهم يدّعون أنّهم لا يستهدفون المدنيين في أثناء غاراتهم الوحشية على غزّة يضاف إلى ذلك كذبهم المتواصل في إخفاء حجم خسائرهم وأعداد قتلاهم في هذه الحرب.

وتتواصل الأكاذيب ويتواصل تصديق الغرب لها دون أيّ تحقّق أو تردّد أو تفكير ويتحوّل الإعلام الغربي بوسائله ومراسليه وإعلاميّيه إلى أبواق للدعاية الصهيونية الكاذبة، وفي مقابل ذلك تصمّ هذه الوسائل أسماعها وتغمض أعينها عن صرخات الأطفال الرضّع وعن مشاهد الأشلاء المتناثرة في كلّ مكان وعن همجيّة الصواريخ التي تهطل كالمطر على المنازل والشوارع والمدارس والمستشفيات وسواها.

ويبقى السؤال: لماذا يصدّق المسؤولون الغربيّون ووسائل الإعلام الغربيّة الأكاذيب الصهيونية حال إطلاقها ودون أيّ تمحيص ويكذّبون أو يتنكّرون للرواية العربيّة على الرغم من قيام آلاف الشواهد والأدّلة القاطعة عليها؟!

ولستُ أرى في الإجابة عن هذا التساؤل غير الحقد الأسود المتوارث من الأنظمة السياسية الغربيّة على العرب عامة والفلسطينيين خاصّة، وأنّ هذه الأنظمة ووسائل إعلامها لديها استعداد نفسي مسبق لتصديق الرواية الصهيونية وإن كانت تتنافى مع العقل والمنطق والحقائق الواضحة وإن كانت أيضاً تدرك في قرارة أنفسها أنها رواية ملفّقة، وأنّ هذه الدول كافّة شاركت في ترويج الكذبة أو الكذبات الأولى التي مهدت لإنشاء دولة الاحتلال.

ومع ذلك فإنّه لا بدّ للعرب أن ينسّقوا جهودهم الإعلامية لدحض الافتراءات وتفنيد الأكاذيب الصهيونية.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير