الاخبار العاجلة
لهذا ستهزم إسرائيل

لهذا ستهزم "إسرائيل"

كتب نقيب الصحفيين راكان السعايدة:

قبل 2500 سنة قال الجنرال والفيلسوف الصيني سون تزو مؤلف كتاب "فن الحرب" إن: "التكتيكات بدون استراتيجية هي الضجيج الذي يسبق الهزيمة".

لم أجد أدقَّ من هذه الجملة العسكرية، ومعانيها العميقة، لتوصيف الحالة الإسرائيلية الراهنة، فهي التعبير الموضوعي الذي يمكن إسقاطه على الطريقة التي تدير بها "إسرائيل" عدوانها على قطاع غزة.

حرب يشنها الكيان الصهيوني من واقع صدمة الهزيمة في غلاف غزة، يشنها بصورة انتقامية إجرامية، وحتما التصرف تحت هذه التأثيرات لا يكون واعيا ولا متحسبا للعواقب، ولم يفكر بدايتها بالخسائر لا السياسية، داخليًا خارجيًا، ولا العسكرية أو الاقتصادية ولا حتى الاجتماعية.

بل انه في سياق الصدمة والانتقام، والحرب غير المتماثلة وغير المسبوقة، لا يدرك أن النهاية ستكون هزيمة مدوية، ستأتي بتداعيات كثيرة وكبيرة على مستقبل هذا الكيان، وتؤسس لمسار فلسطيني جديد تسنده المقاومة.

والهزيمة المنتظرة لـ"إسرائيل"، لا تقوم فقط على مقولة "سون تزو" بل تدعمها جملة من نقاط الضعف الماثلة الآن في بنية الكيان الإسرائيلي التي أنتجتها الهزيمة في طوفان الأقصى، وستسهم في الهزيمة الثانية، وهي كالتالي:

أولًا: تعدد الجبهات، وإن اختلفت مستويات المشاغلة والاشتباك، فإسرائيل تخوض حربها الرئيسية في قطاع غزة، لكنها أيضا تشتبك بقدر ما على جبهة جنوب لبنان، اليمن، حدودها مع سوريا، وتتصاعد جبهة الضفة الغربية. وتصبح هذه الجبهات أكثر تعقيدًا جراء المشاغلات للقواعد الأميركية في العراق وسوريا، وقد تتوسع.

ثانيا: عدم استطاعة "إسرائيل" الحديث عن أي منجز عسكري بعد 33 يوما على عدوانها، وخسائرها الكبيرة في المعدات والجنود، وتراجع الثقة بالمستويات السياسية العسكرية وقدرتها على تحقيق نصر، وعدم وضوح خطتها لمستقبل القطاع بالفرض الساقط بأنها ستنهي المقاومة وتسيطر عليه.

ثالثا: جزء أساسي من الحرب تخاض لأسباب شخصية من المستويات السياسية والعسكرية والاستخبارية التي هُزمت على أيدي المقاومة في 7 تشرين أول، وبخاصة من جانب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وتريد هذه المستويات نصرًا يمحو آثار هزيمتها بأي ثمن.

رابعا: وجود أكثر من 240 أسيرًا إسرائيليًا وأجنبيًا (جنسية مزدوجة) لدى المقاومة تعتبر من نقاط الضعف الأساسية، ومحركا لتظاهرات واحتجاجات داخل الكيان للمطالبة باستعادتهم بأي ثمن وطريقة، فضلًا عن مطالبات وضغوط دولية على المستوى السياسي الإسرائيلي لإنفاذ هدنة مقابل الإفراج عن عدد من هؤلاء الأسرى.

خامسا: تفاقم عبء النزوح من جنوب الكيان وشماله، فنحو 250 ألف إسرائيلي نزحوا من مستعمرات غلاف غزة وغلاف جنوب لبنان، إلى إيلات ووسط "إسرائيل" وإذا كانت إمكانية عودة يهود غلاف جنوب لبنان واردة، فلا يتوقع أن يعود أغلب يهود غلاف غزة.. وهؤلاء جميعا يشكلون ضغطًا سياسيًا واقتصاديًا مع طول نزوحهم.

سادسا: كلفة الحرب منذ بدايتها وحتى عدة أشهر مقبلة قُدرت إسرائيليًا بنحو (51) مليار دولار، ويتوقع أن تكون أكثر من ذلك، وبخاصة إذا استمرت الحرب فترة طويلة، وفي ظل انقطاع السياحة والسفر وهروب استثمارات وتوقف صناعات وبخاصة في جنوب الكيان وشماله، وليس أقل من ذلك أن استدعاء 360 ألفاً من الاحتياط يعني عمليًا تفريغهم من أعمالهم في الزراعة والصناعة ومختلف القطاعات، ما يؤدي إلى إشكالية بتوافر الأيدي العاملة.

سابعا: تآكل الدعم الدولي بصورة لافتة، فالشارع الأوروبي والأميركي بدأ بالانقلاب على الرواية والسردية الإسرائيلية ويدين إجرامها، وينحاز لسكان غزة، وحكومات الغرب بدأت تغير لغتها، وإن ليس بشكل حاسم، لكنها أصبحت تجاهر برفضها استهداف المدنيين وتضغط لإنفاذ هدنات إنسانية ووقف إطلاق نار، إما لحسابات الشارع والمستقبل السياسي أو لحسابات انتخابية، أو لمأزق أخلاقي وقيمي وإنساني. 

ثامنا: لن تقبل أي دولة عربية، ولا حتى أي دولة في العالم أو جهة أممية أن تلعب دورًا في قطاع غزة بعد هذه الحرب، لإدراكها أن غزة وشعبها ستلفظ أي جسم غريب، وبالأصل الامتداد الشعبي للمقاومة سيمنع ذلك، وانعدام فرصة إنهاء المقاومة أيضا سيمنع ذلك.

نقاط الضعف الأساسية هذه، وغيرها، يمكن أن يضاف إليها نقاط أخرى كانت ماثلة في المجتمع الإسرائيلي قبل هزيمة 7 تشرين أول، فـ"إسرائيل" في سنواتها الأخيرة اضطرت إلى إجراء انتخابات برلمانية كل سنة، جراء الانقسام السياسي والحزبي الحاد.

وفي الأشهر الأخيرة، ومع حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة، شهدت "إسرائيل" تظاهرات أسبوعية بعشرات الآلاف رفضا لتعديلات على قوانين قضائية، وبخاصة صلاحيات محكمة العدل العليا، وهدفت إلى تجريد المحكمة من "مبدأ المعقولية" لتحصين قرارات الحكومة، ومن جهة ثانية عمل الائتلاف الحكومي على تعديلات تحصن نتانياهو ووزراء آخرين من السجن على قضايا فساد.

بنظرة موضوعية؛ فإن نقاط الضعف هذه لها تأثيرها العميق في بنية الكيان ومساره الراهن، وكلها تصب في صالح المقاومة، وتصبح نقاط قوة في استراتيجيتها في مجابهة العدوان، وتصبح أكثر قوة تأثيرا إذا ما أضفنا إليها التالي:

أولا: حاضنة شعبية غزّية قوية ومتماسكة وصامدة، لم تخضع لدعوات التهجير الطوعي والقسري، ولم تنقلب على المقاومة برغم التضحيات الكبيرة والمؤلمة.

ثانيا: حاضنة شعبية عربية لا سابق لها، وهي حاضنة ضاغطة على أنظمتها لإجبارها على مواقف سياسية وأكثر من سياسية، إن أمكن، لوقف العدوان وجرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان.. يضاف إلى ذلك المزاج العالمي المتغير والمناوئ للعدوان على القطاع وضربة عرض الحائط كل القيم الأخلاقية والقانونية.

ثالثا: امتلاك المقاومة تقديرات مسبقة لطبيعة رد فعل "إسرائيل" الانتقامي على عملية طوفان الأقصى، وقد تحضرت له جيدًا، وبخاصة للاشتباك البري الذي يمكّنها أن تحدث فيه فرقًا مهمًا في المواجهة، فالجندي الإسرائيلي لم يعد يستطيع التنقل راجلًا لأنه عرضة للقتل، لذلك حشر داخل مدرعته، يأكل فيها وينام، والمدرعة لا تستطيع التوقف عن الحركة لأنها ستُستهدف بقذائف الياسين 105، وإذا تحركت لا بد من الوقوع في كمين أو المرور بجانب فتحة نفق، وفي الحالين قضي عليها.

رابعا: حماس والقسام فكرة، والفكرة لا تنتهي ولا تموت، ومنطق "إسرائيل" بتصفيتها منطق مختل لم يقرأ التاريخ، وإذ ما أصر الكيان على هذا المنطق فسيغرق في رمال ومستنقع غزة لسنوات بدون جدوى، بل سيتكبد خسائر لم يسبق أن خسرها منذ نشأته.

إذن؛ أمام نقاط ضعف العدو هذه التي تتحول كلها لتكون نقاط قوة للمقاومة، هل تتوقع "إسرائيل" ومن يدعمها أن تحقق نصرًا في قطاع غزة؟ حتما الإجابة المختصرة: لا، ولا بأي شكل من الأشكال.

ويمكن أن نقرأ ما يؤكد ذلك في إعلام الاحتلال عندما تنقل صحيفة "معاريف" عن مسؤول سابق في "الشاباك": أقترح أن نكون أكثر تواضعا في وصف الأضرار التي لحقت بحماس، حيث يبدو أن معظم القوة المقاتلة لا تزال في الميدان وهذا يدل على أن حماس بعيدة كل البعد عن الانهيار".

أيضا، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يقول محلل إسرائيلي: لم نر بعد أي ضربة كبرى ضد حماس ولم نر أحدا يخرج من تحت الأنقاض أو من النفق ويداه مرفوعتان". وأخير تقول صحيفة "إسرائيل اليوم" إن الجيش الإسرائيلي يعتمد سياسية ضبابية في ما يخص خسائره البشرية في غزة.

والحال هذه فإن على العقل العربي الرسمي أن يدقق في التفاصيل، لأن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، وألّا يتوهم قدرة "إسرائيل" المأزومة المرتبكة والمنقسمة المهشمة على حسم الحرب مع المقاومة لصالحها، فحتى الغرب بـ"زعامة" أميركا يعي أن ليس بمقدور "إسرائيل" حسم المعركة.

المقاومة ستنتصر وفقا لمنطق التاريخ.. وعلى هذا العقل الرسمي العربي أن يتحسب لذلك، ويدرك أن وجه الشرق الأوسط سيتغير، وتتغير معه أشياء كثيرة.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).