إنه الجيل الفلسطيني الرابع يا إسرائيل

{title}
أخبار الأردن -

حسني عايش

إنه الجيل الفلسطيني الرابع من أجيال النكبة يا اسرائيل الذي كنتم تظنون قبله أن القضية ستُنسى بعد موت جميع أفراد الجيل الأول، وستعيشون في ربوع فلسطين الجميلة في نعيم وهدوء وسلام، وإذا بالجيل الرابع يفاجئكم بهجوم خاطف عاصف زلزل الدولة وأوروبا وأميركا معها. 

« إذا كنا لا ننسى السبي البابلي على الرغم من مرور أكثر من ألفين وخمسمائة سنة عليه، فكيف ننسى المحرقة التي وقعت في الأمس كما أجاب شمعون بيرس عندما سئل: الا تنسون المحرقة/ الهولوكست؟ ولما كان الأمر كذلك فكيف تطلب إسرائيل من الفلسطينيين نسيان النكبة والكارثة ولما يمضي عليهما بضعة عقود؟ وإذا  كان اليهود هم شعب الله المختار كما تقول التوراة ويقول القرآن فالفلسطينيون هم القوم الجبارون كما تقول التوراة ويقول القرآن.

لقد راهنتم على ذلك بتحريم تعليم الأطفال الفلسطينيين في المدارس الفلسطينية والعربية تاريخ النكبة والكارثة، وأقمتم الأسوار والجدران ومئات الحواجز الثابتة والطيارة، وراقبتم بالشاباك كل فلسطيني في الوطن والعالم، فماذا كانت النتيجة؟ لقد تعلم الأطفال الفلسطينيون، أو قُل الجيل الخامس تاريخ قضيتهم بالتفصيل في الميدان من ممارساتكم اليومية فيه ضدهم وضد شعبهم في الداخل والخارج. وما يجري في قطاع غزة الآن هو أقوى مدرسة لتعليم هذا التاريخ ليس لأطفال فلسطين فقط بل للعالم أجمع، وأنه صراع وجودي بينهم وبين بني إسرائيل مثلما هو صراع تاريخي بينهما لا ينتهي إلا بإبادة أحد الطرفين أو كليهما، أو باتفاق من العقول والقلوب بالعدل والسلام بينهما بدولة ديموقراطية واحدة للجميع.

وعليه فإنه – كما يبدو- لا استقرار ولا أُنس لإسرائيل في فلسطين ولا مستقبل لها مضمون بدون رضا هذا الشعب عنها، ولن يرضى بدون تسوية عادلة ودائمة، وإلا فإن أطفال الفلسطينيين الذين تبيدونهم وتشردونهم في الداخل والخارج اليوم قد يفاجئونكم ذات يوم بما لا يخطر على بال أو خيال، من مثل دك اسرائيل بالصواريخ من مكان لا تعرفونه، أو عبور فلسطين بوسائل وأساليب عنها لا تعلمون، أو ربما بعقار أو وباء لا يبقي ولا يذر يقوم بإطلاقه عليكم واحد او اثنان من أحد الأفراد في الأجيال القادمة لا تتوقعون، فالشعب الفلسطيني هو طائر الفينيق المعروف نفسه الذي لا يموت. ألم تعاينوا عبقريته التقنية العسكرية العظمي والتخطيط والتنفيذ الفائقين التي تجلت بالهجوم الأخير: على يد قطاع فلسطيني صغير ومحاصر من جميع الجهات وفي جميع الأوقات. إنه من الجيل الرابع للنكبة يا اسرائيل، ويبدو أنه أذكى وأبرع منكم بكثير، فأصيخوا للعقل، قبل فوات الآوان، واقعدوا للعدل والسلام، وقبّلوا اقدام الأطفال الفلسطينيين الذين «صروعتموهم» وقتلتموهم وذويهم بالصواريخ والقنابل، ودمرتم بيوتهم على رؤوسهم، كي ينتهي قلقكم الوجودي وينام الجميع باطمئنان. ألا يوجد شخص واحد عاقل في إسرائيل مثل ديكليرك يستبق الجنون وينقذ إسرائيل/ اليهود من نهاية محتملة ومن ثم فهي ممكنة.
وحتى لو سحقتم قطاع غزة، وقمعتم بقية الشعب الفلسطيني في صمت، وظننتم أنكم فزتم نهائياً في هذه المعركة، فإن ذلك لا يعني أن الصراع الوجودي انتهى، فما قمتم به ضاعف الحقد عليكم اضعافاً مضاعفة لا يمحوه الدهر ولا بد له يوماً أن ينفجر مرة أخرى على يد جيل قادم كما انفجر في السابع من اكتوبر 2023 على يد الجيل الحالي. 

ما يصدر عن بعض السلطات العربية الرسمية من تصريحات وتعليقات حول هلوكوست غزة الذي يجري أمام العيون ليس سوى انشاء عربي لأنه يؤخر ولا يقدم، ويعمم ولا يخصص، ويساوي بين القاتل والضحية بثبات اتفاقيات ابراهيم. 
إن ما تقوم به اسرائيل « العربية» في قطاع غزة من إبادة وتدمير، وما ظلت تقوم به وما تزال في الضفة الغربية بما في ذلك القدس ليس سوى تصفية جسدية وأرضية بالتقسيط للشعب للفلسطيني الباقي في إطارها، لأنه يرفض الرحيل، ويرفض أن يبقى لاجئاً في وطنه، وفي خارجه طيلة الحياة. لقد كسر الهجوم المزلزل على إسرائيل في السابع من اكتوبر كل عين وقحة. تلك العين التي لا ترى ما يجري على الأرض الآن، ولا تشارك وجدانياً شعبها به.
يوجد بعض العرب أعني أفراداً منهم يتذاكون على هذا الشعب، ويصطادون في الماء العكر فيلومونه على هجومه الأخير على إسرائيل لأنه تسبب في مجزرة مضادة بشراً وشجراً وحجراً وبنية تحتية. هؤلاء مرضى بالسادية فقد كانوا قبلها يلومونه على البقاء في المنافي والمخيمات، وأنه لا يقاوم العدو ليعود. ولما فعل انصدموا. ساديون لأنهم كما يبدو يفرحون برؤية اشقائهم يُضطهدون ويُعذبون ويتعذبون وأطفالهم يبكون ويقتلون. وعلامة ساديتهم أن ما يقولونه بين بعضهم بعضا سراً في الصالون، يختلف عما يقولونه علناً بالمايكرفون، وإن كان بعضهم لا يستحي ولا يخجل من قوله علناً بحجة الشجاعة «والخصوصية» القطرية.

ترى.. كم ألحقت منظمات التكفير والإرهاب والعار «الإسلامية» مثل طالبان والقاعدة وداعش وبوكو حرام وكل تلك الأشكال، من ضرر بقضية فلسطين! لعله لا يقلّ عن الضرر الذي ألحقته الصهيونية واسرائيل بها، فقد أدى إرهابها الدامي والعشوائي بالأبرياء المصادفين في العالم إلى خلق ما يسمى بالإسلاموفوبيا أو بالرهاب الإسلامي. صارت كلمة عربي أو مسلم أو إسلامي تعني ارهابي على طول الخط، لأن كل واحد في العالم هو حرفياً وفي أي لحظة أو مكان معرض للقتل او للجرح على يد تفجير لها، أو متهماً بالإرهاب إلى أن يثبت العكس بالتفتيش الجسمي والالكتروني في نقاط العبور والبوابات في العالم. وبما أن كلاً من حماس والجهاد إسلامي فإنه سرعان ما تم وصف ما قامتا به بالإرهاب، وتلقف الناس في العالم، وبخاصة في الغرب الصهيوني الاسرائيلي تلك التهمة، التي تم ترجمتها بدعمٍ سياسي ودبلوماسي وعسكري غير مسبوق لإسرائيل للقضاء عليهما.
وعليه يجب تصفية هذه المنظمات فكرياً وإدارياً على ما ألحقته بقضية فلسطين وقضايا العرب والمسلمين من اذى ودمار لا يوصفان. هم في إسرائيل والغرب يستخدمون وصمة الارهاب الإسلامي الفتاكة لتأليب الرأي العام العالمي ضد الشعب الفلسطيني الآن، ويؤيدون إسرائيل في تصفيته نيابة عنهما.
لعل أمضى سلاح مناظر للإرهاب يملكه الفلسطينيون والعرب والمسلمون وصم إسرائيل بالأبرثايد الذي تمارسه، والذي أدى إلى انهيار حكم البيض في جنوب أفريقيا، والغرب بازدواج المعايير الذي يمكن أن تُكسر عينه به.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير