الاخبار العاجلة
تعليقا على تحليل أمني

تعليقا على تحليل أمني

ماهر أبو طير

حين تطلع على بعض التحليلات السياسية والامنية لمسؤولين اسرائيليين، تدرك أسباب عدم قدرتهم على توقع سيناريوهات المستقبل، او تحديد الاخطار وفقا لمفاهيهم بشكل دقيق.

تكتب نعومي نيومان تحليلا سياسيا وامنيا يسأل عن الوضع في كل فلسطين، وهي التي عملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في وكالة الأمن الإسرائيلية أي الشاباك وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، وتتناقش في تحليلها اسباب هدوء القدس والضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948، امام الظرف الواقع في غزة، وفقا لتقييمها، دون ان تتناسى وقوع عشرات الحوادث في الضفة او القدس، لكنها في مجمل النص تحاول تحليل ما تعتبره سببا لانخفاض الحدة او تراجعها في هذه المناطق، مع اشارتها الضمنية الى قلة التجاوب مع الوضع في غزة، لمخاوف المقدسيين واهل الضفة الغربية وفقا لرأيها، كما قامت بتفكيك اسباب كل حالة مع اشاراتها الى دور سلطة رام الله هنا، ومحاولتها منع ردود الفعل الواسعة وحصرها بمسيرات سلمية محدودة، لتخوفها من انهيار سلطتها، وانفجار كل الوضع في الضفة بما سيؤدي الى جبهة ثانية.

تتطرق نيومان الى ما تعتبره عدم تجاوب اهل فلسطين المحتلة عام 1948، مع الاحداث الواقعة الان في غزة وفقا لطريقة تحليلها، مقارنة برد فعلهم الغاضب عام 2021 اثر عملية " حارس الجدران" التي شنتها اسرائيل ضد غزة، وادت الى ردود فعل ساخطة واشتباكات  يومية.

نص التحليل طويل، لكن الاستخلاص الاخطر وفقا لرأي كاتبته استنادا لخبرتها الامنية، يقول.. "ان الحرب على غزة هذه المرة فشلت في فتح جبهة ثانية كما ان المجتمعات العربية المقيمة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وإسرائيل ترفض تكرار أعمال الشغب العنيفة التي وقعت عام 2021، حيث يعكس ضبط هذه المجتمعات لنفسها مزيجاً من الاشمئزاز من الطبيعة المتطرفة لهجوم السابع من تشرين الأول، والخوف من قيام إسرائيل بتكبيدها ثمناً باهظاً إذا لجأت إلى العنف، والوضع قد يتغير نحو الأسوأ بسبب مشاعر الاستياء المتراكمة المرتبطة بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها هذه الفئات السكانية، فضلاً عن التحديات المرتبطة بالهوية، وقد يتبيّن أن هذه الديناميكيات قابلة للاشتعال عندما تختلط مع حساسية اليهود الإسرائيليين المرتفعة حالياً، إزاء التصريحات أو الأفعال التي تهدد الحياة".
اللافت للانتباه في ان تحليلا مثل هذا يستند الى عدة افكار معتادة في الذهنية الاسرائيلية تعد سطحية وبائسة حقا، اولها التعامي عن حقوق الفلسطينيين التاريخية في بلدهم، وثانيها استمرار التعامل مع الفلسطينيين من زاوية تقسيمهم الاجتماعي على اساس 4 مجموعات، غزة، والضفة، والقدس، وفلسطين 48، مع تكريس التقسيمات وان لكل كتلة اجتماعية حسبتها وتضاريسها المختلفة، وثالثها استمرار التعامي عن الواقع الحالي حاليا في القدس، مثلا، حيث يتم منع الفلسطينيين من الوصول للأقصى ويتم اقتحامه، ويتم اغلاق الشوارع، واغلب الناس يجلسون في بيوتهم ولا يذهبون للعمل بسبب اعتداءات المستوطنين، كما يتم التضييق عليهم في كل نواحي الحياة، والوضع في الضفة الغربية أسوأ بكثير حيث استشهد اكثر من 120 فلسطينيا منذ السابع من تشرين الأول، وتم اعتقال اكثر من 1650 فلسطينيا خلال الاسابيع القليلة الماضية، ويتعرض الكل في القدس والضفة وفلسطين 48 الى اذى يومي وسط مستوطنين مسلحين، يقومون بوقفهم واطلاق النار عليهم احيانا وحرق سياراتهم ومزارعهم وممتلكاتهم.
كل هذا يقودنا الى ان القصة ليست قصة غزة حصرا التي ستجر كل فلسطين الى رد فعل واسع، بل ان قصة الاحتلال ذاته في كل فلسطين ستؤدي الى هذه النتيجة، خصوصا، ان الاوضاع تتدهور بشكل متسارع، امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتراكمات الاحتلال ليست بحاجة الى شرارة غزة كي تنفجر، بل اصبحنا امام بيئة مهيأة بطبيعتها لرد الفعل، وفتح جبهات ثانية، ليس تنفيذا لتعليمات احد، بقدر كونها ردة فعل طبيعية على المذابح بحق الابرياء الفلسطينيين، من اطفال ونساء وشباب، وما نراه من حرق لمدينة كاملة بكل ما فيها من حياة بشرية وانسانية، وفي ظل جرائم اسرائيلية تحظى بتغطية دولية لا سابق لها.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).