الاخبار العاجلة
أوقفوا الحرب قبل فوات الأوان

أوقفوا الحرب قبل فوات الأوان

الدكتور عبدالله الزعبي

كأردني فخور بوطنه وبقيادته الهاشمية، صاحبة الحكمة والخبرة المتوارثة -منذ زمن الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم قصي عندما وحد فهر في قريش، وحفر الآبار واطعم الجائع والوافد وبنى علاقات جعلت من مكة مركزاً اقتصادياً- وعلى رأسها جلالة الملك، الذي اوضح لكل العالم ما يجري من ظلم للفلسطينيين وسيجري في غياب الحل العادل لقضيتهم، وخاطب شعوب العالم وقادتها من خلال مؤتمر السلام من القاهرة، والذي حدد فيه الخطوات التطبيقية الواجب على قيادات العالم اتباعها لوقف الحرب، حفاظا على دماء الابرياء وحماية المنطقة كاملة من الانجراف للمجهول وكذلك الاستقرار العالمي.

اوقفوا الحرب، قبل اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، قد تؤدي لانهيار الامن في الضفة الغربية، وارتكاب مجازر تضاف الى مجازر غزة -عدد الشهداء من الأطفال وكلهم كيوسف صاحب الشعر الكيرلي والحلو- وحدهم يعادل عدد القتلى الإسرائيليين، حتى مساء الاثنين 23/10/2023)، والتي لا يمكن لأي انسان بشري لديه الحد الادنى من ضمير الانسانية ان يتقبل ذلك.

إننا نتساءل، كم من الدماء يجب ان تنزف حتى يقرر زعماء العالم وعلى رأسهم الرئيس بايدن الذي يقود الشعب الاميركي المحب للحرية والسلام، والذي تربطنا به علاقات صداقة تاريخية، واميركا، الاكثر دعما للأردن لتجاوز الازمات المتعاقبة (الاقتصادية منها والمياه) والتي تعرضنا لها خلال العقود الماضية، كنتيجة لموجات اللجوء المتلاحقة والتي لا ذنب لنا في الأردن بمسبباتها.
انني على المستوى الشخصي لدي الكثير من الاصدقاء والمعارف في الكثير من الجامعات ومراكز الابحاث الاميركية (الذين اقدرهم واكن لهم كل الاحترام)، وكنا دائمي الحديث عن قضايا الشرق الاوسط، ونجمع دائما بانه لا سلام دون حل عادل للقضية الفلسطينية.

انني على المستوى الشخصي لدي الكثير من الاصدقاء والمعارف في الكثير من الجامعات ومراكز الابحاث الاميركية (الذين اقدرهم واكن لهم كل الاحترام)، وكنا دائمي الحديث عن قضايا الشرق الاوسط، ونجمع دائما بانه لا سلام دون حل عادل للقضية الفلسطينية.
إننا نعلم جيدًا ان احداث 7/10/2023 عمقت أزمة إسرائيل الداخلية، وشكلت انقلابا استراتيجيا شبه كامل في المنطقة، ونعلم بأن القرار الدولي لن يسمح بسقوط إسرائيل وهزيمتها مهما كان الثمن. الا انه على زعماء العالم ان يستمعوا لصوت الحكمة الشرق اوسطية، وعلى رأسها الملك عبدالله الثاني، لوقف الجنون اللامتناهي، وقبل انفلات الامور في الشرق والتعمق في متاهاته، والتي لا احد يعلم كم من الدماء ستنزف وحجم الدمار الذي سنراه. والسؤال، ألم نتعلم من التجارب السابقة خلال الاربعة عقود الاخيرة في المنطقة؟ فالانتفاضة الاولى توقفت بعد تفاهمات اوسلو، والثانية بعد اتفاق القاهرة وبالانسحاب من قطاع غزة (وهي حلول سياسية)، وكلتاهما انطلقتا كنتيجة لاستفزازات المتطرفين المتكررة للمسجد الاقصى. كما ان أحد الاسباب التي ادت الى الاحداث الاخيرة الاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى من قبل المتطرفين الذين لا يأبهون بالاتفاقيات والتفاهمات الدولية وقدسية دور العبادة، ويضاف اليها الظلم والعقاب الجماعي.
اوقفوا الحرب، لأن القضاء على تنظيم بحد ذاته، سيؤدي الى ولادة تنظيمات مجهولة اخرى، قد يكون من الصعب السيطرة عليها، وهناك مشاهدات في دول كثيرة، امتدت تنظيماتها ذات المرجعيات المختلفة الى خارج حدودها بعد ان فقدت السيطرة عليها، كانت تكاليف ذلك السياسية والاقتصادية باهظة الثمن.

اوقفوا الحرب، لأن استمرارها سيؤدي الى تأزيم في العلاقات بين الدول واعادة تموضعها الجيوسياسي، ومزيد من الانقسام والفرقة قد تصل الى حد القطيعة بين الشعوب، وخاصة بعد العسكرة الشبه كاملة لشرق المتوسط (حاملة الطائرات الاميركية وتوابعها، وقطع حربية بريطانية، وفرنسية وايطالية، والاسطول الروسي القابع في سواحل سورية، والصينية التي تم ارسالها على عجل للمنطقة)، واستبعد ان هذا الكم من آلة الدمار البحرية جاءت فقط لحماية أمن إسرائيل، وهو نذير شؤم على المنطقة من حيث الأهداف التي يخطط لها، والتي قد يكون منها، إعادة تشكيلها وخلط الاوراق المبعثرة أصلاً، والمحافظة على احقية الدول العظمى في المصالح البحرية وممراتها. وهنا نتساءل هل على المنطقة دفع ثمن هذه الصراعات من دماء أبنائها ودمار بنيتها التحتية واقتصادها؟ وهل نحن امام تطبيق عملي لما قاله الرئيس الاميركي السابق ترامب «لا يهمني ان يموت المصارع، ما يهمني ان يفوز المصارع الذي راهنت عليه»؟

وانا أكتب في هذا المقال، تذكرت مداعبة طريفة من استاذ الماني جمعنا عشاء اثناء مشاركتنا بالمؤتمر الدولي للإدارة المتكاملة لمصادر المياه والذي عقد في مدينة درزدين الألمانية عام 2011، حيث طرح حل للصراع في الشرق الاوسط مقترحا من باب الفكاهة الموافقة على اقامة الدولة الفلسطينية وانضمامها واسرائيل مباشرة الى الناتو لضمان امن وسلامة الجميع. الا انه ممكن التفكير بها ليس من باب المداعبة فقط، بل قد تكون فكرة قابلة للتطبيق، إذا ما بادرت الولايات المتحدة الاميركية والمتزعمة للحلف بالعمل على ايقاف الحرب، وتنفيذ قرارات مجلس الامن بقيام دولة فلسطينية وضمها للحلف وفتح باب الانضمام لمن يرغب من دول المنطقة (كما فعلت مع دول شرق اوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي)، وتنفيذ خطة شبيهة بخطة مارشال الاقتصادية في دول المنطقة (الاردن ومصر وفلسطين ولبنان) لضمان النمو الاقتصادي وتحقيق الازدهار فيها كأفضل وسيلة لضمان امن واستقرار المنطقة.
ان مثل هذا الاجراء قد يضمن الاستقرار، ويعزز دور أميركا في المنطقة، وحماية مصالحها وغاز شرق المتوسط وتدفق النفط ويضمن سلامة مشروع الممر الاقتصادي (من الهند الى أوروبا) المقترح من الرئيس الاميركي في حال تم تنفيذه، كما انه سيضعف ادوار دول اخرى طامحة في المنطقة، قبل ان تتعمق التحالفات والاستقطابات الدولية المختلفة في ظل بوادر ظهور نظام عالمي متعدد الاقطاب.

أما نحن في الأردن، فمهمتنا المحافظة على امن وطننا ومقدراته، وان نحذر من محاولات الاختراق من اي جهة ومهما كان نوعها (رغم ثقتنا العالية بقواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية بحماية تراب الوطن واهله)، لكي يبقى الأردن قويا منيعا ومساندا للحق الفلسطيني. كما ويجب ان تكون رسالتنا للعالم بأننا نقف خلف قيادة جلالة الملك في كافة طروحاته وخطواته لوقف الحرب والدمار والتهجير ومنع العقاب والابادة الجماعية بكافة اشكاله، والمدافع عن القضية الفلسطينية باستمرار، والقائل بأن الحلول العسكرية لن تجلب الامن والسلام للمنطقة، ولا حل دون إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتمتعة بكافة الحقوق على الساحة الدولية.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).