الأردن كما هو
سميح المعايطة
مع كل مرحلة صعبة خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية تشعر أن بعضنا لا يعرف مسار الأردن السياسي والعسكري في هذه القضية ولا مواقفه، وهناك من يحملون مواقف عدائية تجاه الأردن يجدون في هذه المواسم فرصة لبث أحقادهم وإخراج كل أنواع السموم تجاه الأردن والحديث عنه، وكأنه من يمنع تحرير فلسطين أو أن دبابات العرب بما فيهم السلطة الفلسطينية تتجه إلى فلسطين وأن الأردن متخاذل بل ويمنعها من إبادة إسرائيل.
الأردن أكثر الدول وضوحا وصدقا في مواقفه من كل القضايا وتحديدا القضية الفلسطينية، وهو الأكثر سعيا لخدمة فلسطين من منطلق عربي، ولأننا أكثر الدول تضررا من عدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم على أرضهم.
الأردن رفض الدخول في كامب ديفيد في نهاية السبعينيات رغم الضغط الأميركي الشديد آنذاك لأن المطلوب كان أن يتحدث ويتفق باسم الفلسطينيين، لكنه رفض المشاركة ورفض أي حل لا يعطي للفلسطينيين دولة كاملة السيادة على أرضهم.
والأردن تلقى حربا سياسية وعسكرية من منظمة التحرير الفلسطينية منذ أن كانت عام 1964 أي قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقبل أن تدخلها الفصائل، وكان قرار إقامة المنظمة ليس حبا في الفلسطينيين من قبل جمال عبد الناصر بل الأهم كان حربا سياسية على الملك الحسين، رحمه الله، ودفع ثمنا من أمنه بعد ذلك عندما تحول تحرير فلسطين إلى السيطرة على الحكم في الأردن من قبل الثوار ورفعوا شعار "عمان هانوي العرب"، لكن الله تعالى أفشل مخطط الوطن البديل في نسخته الأولى والأصعب.
والأردن لم يمارس كذبا أو تضليلا ثوريا تحت غطاء قومي أو ديني وكان فعله مناقضا لخطابه، بل كان منذ بداية القضية يتحدث عن السلام، لكنه رغم هذه القناعة لم يذهب لسلام منفرد ولم يوقّع أي اتفاق باسم الفلسطينيين ورفض كل الضغوط في هذا المجال، وعندما قررت دول العرب الحرب كان حاضرا بل إن الشعب الأردني قدم الشهداء قبل الحروب، كما قدم الجيش الأردني شهداء في كل الحروب وحتى الصدام الثنائي مع الاحتلال إضافة إلى معركة الكرامة التي تمثل محطة عسكرية صادقة خالية من التلاعب السياسي.
الأردن لم يوقع على أي اتفاق على حساب الحق الفلسطيني، ومن وقع على أوسلو هي منظمة التحرير ثم مارستها كل الفصائل حتى الرافضة لأوسلو، والأردن منذ أن كانت القضية يتحدث بقوة عن الرؤية الحقيقية للقضية ويطالب بالحق الكامل للفلسطينيين.
وحتى في أزمة مثل العدوان على غزة فإن الأردن هو صاحب الصوت الصادق والموقف الواضح في إدانة الاحتلال ومساندة الفلسطينيين، وهو وكل الأردنيين يقدمون كل عون إنساني وضغط سياسي لوقف العدوان، لكننا دولة ضمن ملف يشارك فيه كل العالم.
هنالك من لا يرون في الأزمات إلا موسما للإساءة للأردن، وكأننا من صنعنا أوسلو والتنسيق الأمني، وكأننا من تركنا أمتنا بما فيها السلطة الفلسطينية والضفة وكل الدول الثورية يحاربون وجلسنا ننظر اليهم، وكأننا لم نقم بأفضل ما يقدمه أي طرف عربي.
الأردن ليس متهما، لكن البعض بحقد متراكم يوجهون له كل أنواع الافتراء، والغريب أن هذا البعض في أيام الرخاء يمدحون دولا إقليمية وعربية باعتبارها المدافع عن فلسطين، وفي الأزمات حين لا نرى فعلا ولا صوتا لتلك الدول ذات النضال الشكلي يتركها هؤلاء ليتجهوا للإساءة للأردن.
من كان منصفا يدرك أن الأردن لم يتخل يوما عن القضية الفلسطينية سياسيا وعسكريا حين كان خيار الحرب عربيا وفلسطينيا، لكنه لم يخدع أحدا بكذب سياسي بوعود مثل الآخرين، يدرك واقع العرب والفلسطينيين، وخياره سياسي لكن مواقفه قادرة على إفشال مخططات تصفية القضية الفلسطينية مثل الموقف الذي لم يمارسه آخرون في رفض صفقة القرن وفكرة التهجير في العدوان الأخير.
الأردن لا يخجل من تاريخه، قاتل وقدم كل ما يستطيع حين قاتل العرب، وحمل موقفا صادقا وما زال بثبات دون تقلب، لم يكذب على أحد ولم يمارس ثورية باطنها أمور أخرى، لم يخذل الفلسطينيين ولم يوقع عنهم ولا قبلهم ورفض كل سلام منفرد، ومنذ أن كانت القضية إلى اليوم كان الأردن حاضرا بما يستطيع، والمنصفون يعلمون هذا لكن من في قلبه حقد أو عداء سيبقى حقده يحركه وليس قضية فلسطين.